شمائل النور : دولة القبيلة!

الدماء الرخيصة التي تسيل في كردفان بين مواطني المنطقة والتي أخذت الطابع القبلي الحاد، هي ليست وليدة اللحظة، وإن كانت المواجهة الدامية…

شمائل النور- التيار

 

الدماء الرخيصة التي تسيل في كردفان بين مواطني المنطقة والتي أخذت الطابع القبلي الحاد، هي ليست وليدة اللحظة، وإن كانت المواجهة الدامية التي وقعت قبل يومين نادرة في تاريخ هاتين القبيلتين، لكن المشهد في كلياته، هو حصاد غياب القانون وثقافة العنف وسطوة القبيلة التي تعلو فوق سلطة الدولة.

التجييش والتحشيد الذي جرى قبل يومين في كردفان، وحجم السلاح المتاح لكل طرف ليقاتل الآخر وبهذا الشكل المنظم الذي أورد عشرات القتلى من الطرفين، لا يؤكد فقط غياب سلطة الدولة، بل هي طرف أصيل في هذا الدم بشكل أو بآخر.

حينما تعلو سطوة القبيلة، وتصبح هيبة الدولة تنتظر اتفاق وتصافي الإدارات الأهلية والعمد والنظار، فهذا يعني أن القبيلة احتلت مركز الدولة والعكس.

الآن الدولة دفعت بقوات من الجيش لوقف المزيد من الدماء، لكن يظل الحل في نهاية الأمر في أيدي قيادات القبائل..وهذا أمر خطره ليس الآن فقط، إنما لاحقاً.

خلال زيارة سابقة إلى دارفور الذي ينتشر فيها السلاح كما أجهزة الهاتف السيار، لاحظت، بل تأكدت أن القبيلة هنا هي الدولة، غياب كامل للسلطة الرسمية، والأمر والنهي عند قيادات القبائل…هذا خطر.

لكن الأخطر من غياب الدولة وحضور القبيلة، هو الشعور العميق لدى القبيلة نفسها، أنها الحاكم الحقيقي وأنها فوق القانون، لأنها تحكم أرضها وأهلها، بل أخطر من ذلك، بعضهم يرددون أنهم فرضوا هيبة الدولة!

إن كان هذا الوضع في دارفور أنتجته السنوات الطويلة من الصراع المسلح بين الحركات والحكومة وانتهى في آخر الأمر إلى اقتتال قبلي لا يتوقف في غياب سلطات الأجهزة الرسمية…فكيف يكون الأمر طبيعي في منطقة لم تشهد صراعاً مسلحاً..هل نحن بصدد جبهة حرب جديدة؟

الحشود التي تراصت في كردفان باسم القبيلة، تمتلك قوة من السلاح ليست عشوائية، إنما منظمة ومرتبة..حجم الانتقام والتشفي السائد في هذا الصراع يُشير إلى أن الحادثة لن تكون الأخيرة ما لم تتولى المهمة الأجهزة الرسمية بدلاً عن إدارات القبيلة.

القتل والحرق والتمثيل بالجثث يُنبئ بأن القادم أخطر.

والأخطر أن تتولى الأمر القبيلة نفسها، ويظل الأمن كله في أيدي قيادات القبيلة..الدولة تتنازل طوعاً عن صلاحياتها وتضعها في أيدي القبائل، وهاهي الآن في دارفور تبحث عن انتزاع صلاحياتها من القبيلة..ليس هناك خطر أكثر من ذلك..الأجهزةالرسمية عليها أن تنزل الميدان بدلاً عن حشود القبائل..وإلا سوف تبني كل قبيلة دولتها المسلحة.