سلمى التجاني: برلين .. لقاء العِصِي الغليظة

ينعقد غداً الاثنين بالعاصمة الألمانية برلين ، لقاء بين الحكومة السودانية وفصيلين من فصائل دارفور المسلحة ، بتسهيلٍ من …

سلمى التجاني(وكالات)

بقلم : سلمى التجاني

 

ينعقد غداً الاثنين بالعاصمة الألمانية برلين ، لقاء بين الحكومة السودانية وفصيلين من فصائل دارفور المسلحة ، بتسهيلٍ من الحكومة الألمانية . وقد كشف سفير المانيا بالخرطوم أولريشي كلوكنر في مارس الماضي خطوطه العريضة ، إذ تنحصر في إلحاق المعارضة بالحوار ، والمشاركة في وضع الدستور إستعداداً للإنتخابات المقبلة في 2020 م .

يمكن تسمية إجتماع برلين بلقاء العَصَا ، حيث لم تعد هناك جزرة ، وذلك وفقاً لما سبقته من أحداث وتصريحات ؛ على صعيد المؤسسات الدولية كانت زيارة اسماعيل شرقي مفوض السلم والأمن في الإتحاد الإفريقي ، وجان بيير لاكروا وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ، الأسبوع الماضي للخرطوم ، كانت المرآة التي عكست رؤية المجتمع الدولي ومؤسساته لواقع وكييفية حل قضية دارفور . فقد نشطت الأُمم المتحدة عبر خبرائها في ليبيا والسودان ، والتقارير المقدمة لمجلس الأمن ، في تصوير وجود فصائل دارفور كأزمة في حد ذاتها ، تهدد الأمن والسلم بدارفور ودول المنطقة ، لتأتي تصريحات المسئولين الدوليين الأخيرة كنتيجة لما سبق من جهد هلال العامين الماضيين.

في تصريحاته هدَّد شرقي الفصيلين الذين سيحضرا لقاء برلين ؛ العدل والمساواة السودانية وحركة تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي ، بإتخاذ ( تدابير لازمة ) ضدهما ، في حال رفضهما اللحاق بعملية السلام ، لم يفصِّل في ماهية هذه التدابير ، أظنه تركها لفطنة قادة الفصائل . كذلك وصف شرقي اللقاء بالفرصة الأخيرة للحركات ، ما يدعو للتساؤل : ما الذي سيحدث إن لم تستجب هذه الفصائل لإملاءت النظام ومن خلفه المجتمع الدولي ؟ بالنظر للتقارير الأممية التي ربطت بين بعض الفصائل ومتشددين إسلاميين يقاتلون بليبيا ، إضافةً لتورطها في عمليات الإتجار بالبشر والمخدرات والمشاركة في الصراع الليبي كمليشيات مرتزِقة ، وفقاً لتقارير الخبراء ، فإن المجتمع الدولي ، في الغالب ، يتجه نحو إدراج هذه الفصائل ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية العالمية ، التي تهدِّد الأمن والسلم الدوليين .

كانت تصريحات شرقي هدية السماء للحكومة ، إذ التقطها الدكتور أمين حسن عمر ممثل الرئاسة للإتصال الدبلوماسي والتفاوضي بملف سلام دارفور ، فعلَّق بأن هذا هو الإتجاه الصحيح ، وأن مهمة مجلس السلم والأمن الافريقي هي التأكد من أن ( الحركات السالبة ) لن تؤثر على استقرار الدول الأفريقية . تصريحه يُقرأ في سياق تسلُّم المنظمات الدولية لمهمة النظام في شيطنة الحركات المسلحة بدارفور ، وأنهم ليسوا بحاجة لقول الكثير في هذا الصدد .

لم يكن ذلك التصريح هو الهدية الوحيدة في زيارة شرقي ولاكروا للخرطوم ، فقد أشادا بجهود الحكومة في حث الحركات للإلتحاق بعملية السلام ، ووقف إطلاق النار من جانبٍ واحد . ويبدو من الواضح أن الحكومة قد نالت إشادةً لا تستحقها ، فهي لا زالت تصر على ألا مجال لإعادة النظر في أو تعديل وثيقة الدوحة ، أما وقف إطلاق النار الذي أعلنه البشير في الثامن والعشرين من مارس الماضي ، فقد خرقته قواته بعد يومين من إعلانه ، إذ هاجمت مليشيات حكومية مناطق بشرق وجنوب جبل مرة ، فأحرقت قرىً بأكملها ، وخلَّفت الآلاف من المواطنين في الأودية و( الكراكير ) وسفوح الجبال هرباً من الموت . لم يدن المجتمع الدولي الكارثة الإنسانية التي سبَّبها الهجوم ، ببساطة لأنه يريد تنظيف منطقة الحرب الوحيدة التي تبقت في دارفور ، كما ورد في تقرير خبراء الأمم المتحدة لمجلس الأمن منتصف العام الماضي .

بالنسبة لفصيل عبدالواحد محمد نور الذي ترتكز قواته بجبل مرة ، فقد كان عصا المجتمع الدولي دامياً ، على الأقل بالصمت المتواطئ ؛ إذ بدأت مليشيات الحكومة منذ الثلاثين من مارس الماضي ، ولقرابة الأسبوعين ، هجوماً على جبل مرة من ناحيتيه الشرقية والغربية .

الهجوم يمكن قراءته في إطار الضغوط الحكومية والدولية لإعادة الفصيل لطاولة التفاوض، وتجفيف أماكن تواجده العسكرية . لا توجد إحصاءات لأعداد الضحايا من قتلى وجرحى ومشردين ، لأن العالم كله سكت عما يدور بالجبل ، كأنه خارج نطاق الكرة الأرضية ، ولا يخضع لمعايير القوانين الإنسانية الدولية المتعلقة بالحرب .

في هذه الظروف تنعقد مفاوضات برلين ، يومي 16/17 من أبريل الجاري ، إذ تجيئ في أكثر مراحل قضية دارفور تعقيداً ، واقتراباً من التصفية ، برعاية المجتمع الدولي.