زواج الفتيات في مراكز الايواء والنزوح واللجوء.. الهروب من الضغوط الى بيت الزوجية

كمبالا: امستردام: 6يونيو2024: راديودبنقا
تقرير: عبد المنعم مادبو- فاطمة بريمة
منال أحمد شابة تبلغ من العمر 19 سنة قلبت الحرب حياتها رأساً على عقب كغيرها من بنات جيلها وهي كانت تخطط للدراسة الجامعية بعد أن أفلحت في احراز درجة في امتحانات الشهادة الثانوية تمكنها من دخول الجامعة، لكن امنياتها ذهبت ادراج الرياح بسبب الحرب التي اندلعت في السودان، ووجدت نفسها في بيت الزوجية بعد ان اجبرتها الحرب برفقة أسرتها المكونة من 9 افراد على اللجوء لدولة مصر.
منال قالت لراديو دبنقا انها جلست لامتحان الشهادة وتم قبولها في احدي الجامعات السودانية، الا ان الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع اضطرتها الى مغادرة مدينتها واللجوء الى مصر، وبسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تواجه السودانيين في مصر اضطرت منال الى قبول الزواج بأول شاب تقدم لخطبتها.
قبلت كي أعيش
تقول منال “الحال صعبة شديد والايجارات وتكاليف المعيشة غالية” أو هكذا وصفت منال حياة الاسر السودانية اللاجئة في مصر، واضافت “كنت بتمنى أكمل دراستي وبعد ذلك افكر في الزواج، لكن الآن تقدم لخطبتي بن الحلال، فوافقت على الزواج منه بسبب الوضع الذي نعيشه” وتابعت: أنا قبلت بالزواج كي أعيش وأخفف على الوالد والوالدة من الضغوطات، فأنا الان عروس منذ شهر مارس الماضي ومبسوطة الحمد لله.
عرس قرقاش
تقول منال ان عرسها كان مبسطاً ناقص الكثير من العادات والتقاليد وحضور الأهل والاحباب، فالفرحة تمت لكنها ناقصة بسبب الظروف والحرب. وحالة منال مشابهة لحالة شابة أخرى لاجئة في معسكر “تولم” شرقي تشاد، الشابة- التي فضلت عدم ذكر اسمها لبرنامج كنداكات وميارم عبر راديودبنقا- قالت انها اضطرت الى الزواج وذهبت الى بيت زوجها دون اي تكاليف، وذكرت ان مراسم العرس تمت دون ان يشتري لها العريس اي من احتياجاتها من “ملابس وعطور ودبلة او حتى يدفع مهر” واضافت: ولا حتى عملنا زفاف.
وتابعت- بنبرة حزينة- لولا الحرب وكنا في السودان لاشترينا الشيلة والدبلة والتلفون والذهب، لكن الحمد لله عرسنا عرس “قراقاش بس” لان الظروف ما بتسمح بأن تعمل العروس كل ما في تتمناه.
والدة العروس منال الاستاذة آمنة نورالدين قالت “الزواج تم بصورة مبسطة جداً، لكننا اردنا السترة البيت الحلال لان مصيرها ان تتزوج” واشارت الى ان العريس اشترى للعروس أشياء بسيطة كدا، واضافت: التكاليف ليست كما كانت في السودان لجهة أن الظروف هنا صعبة، فقد عزمنا الاهل والجيران وتم الزواج، وان شاء الله لو وقفت الحرب ورجعنا السودان ستواصل دراستها من بيت زوجها.
الزواج في مراكز الايواء
كشف برنامج كنداكات وميارم عن زيجات تتم في مراكز الايواء بصورة مستمرة فقط بسبب الاوضاع التي تعيشها الأسر والفتيات في تلك المراكز، وهي في الغالب غرف دراسية تضم في داخلها عدة أسر من مناطق مختلفة يختلط فيها الرجال والنساء والشباب والفتيات من الاسر التي قد يصل عددها في بعض الغرف الدراسية الى 4 أسرة.
وتقول الناشطة المجتمعية بثينة حماد حمدان وهي نازحة في مراكز الايواء بمدينة الميروم بولاية غرب كردفان ان هناك زيجات تمت في مراكز الايواء بسبب ان الفتيات يبحثن عن الأمن والاستقرار، فكان الزواج بالنسبة لهن فرصة لمغادرة مراكز الايواء والاستقرار في بيت زوجها في المنطقة التي نزحت اليها، مشيرة الى انه لا توجد من بين هذه الزيجات زيجة بين نازح ونازحة، وانما كلها بين شابة من مركز ايواء وشاب من المدينة التي يوجد فيها المركز.
وذكرت بثينة أن الآباء يفكرون في ايجاد حلول لاوضاع بناتهم في مراكز الايواء والظروف التي يعيشونها خوفاً من اشياء كثيرة في مراكز الايواء، اولها عدم الاستقرار الامني، والخوف من الاعتداء الجنسي، واضافت: بحكم الازدحام ولمة الاسر من مناطق مختلفة في مراكز الايواء قد تحدث اشياء غير حميدة، لذلك يتم تزويج اي بنت من اول شاب يأتي ليطلب يدها للزواج. مشيرة الى انه حتى البنات يقبلن بالزوج من أي شاب يأتي من خارج مركز الايواء اذا تقدم لهن للزواج، لجهة ان الفتاة ترى انها فرصة للخروج من المركز.
قرار غير صائب
وترى الناشطة المجتمعية بثينة حماد ان الزواج في مثل هذه الحالات يمثل واحدة من التحديات التي تواجه الفتيات، وهي اتخاذ قرار الزواج تحت الضغط النفسي، وذلك بسبب انها غير قادرة على الانسجام مع الوضع في مركز الايواء او انها تشعر بأن والدها “قاتله الخوف” خائف عليها لذلك توافق على الزواج، واضافت: الزواج تحت تأثير الصدمات احيانا يكون قرار غير جيد وغير صائب.
وقالت بثينة ان من المشاكل التي تواجه الاسر في مراكز الايواء انها غير مهيأة للسكن، وغير مفصولة بحيث يكون في اتجاه للرجال واتجاه للنساء كي يجد كل نوع راحته في حياته، واشار الى انه يكون في الغرفة الدراسية الواحدة في المدرسة 3 او 4 اسرة في مناطق واتجاهات مختلفة، وهذا وضع صعب شديد لا يستطعن فيه الفتيات ان يجدن راحتهن خلال اليوم، وهذا ما يدفعهن الى اتخاذ قرار الزواج للخروج من هذا المكان الذي لا تجد فيه راحتها، واضافت: لك ان تتصور شابة طالعة من بيت اسرتها في منطقتها الى غرفة دراسية تجمعها بعدد أربعة او خمسة اسر أخرى تضم رجال ونساء للعيش معا لعدة اشهر.
استمرارية رغم الحرب
وترى حليمة ابراهيم يحي وهي مساعد طبي مدير مركز الرياض بمدينة الجنينة بولاية غرب دارفور ان الزواج مستمر في غرب دارفور رغم وجود الحرب، في وقت تعد فيه غرب دارفور من أكثر الولايات التي تأثر شبابها بالحرب التي تشهدها السودان، وقالت حليمة ان الأسر بدأت تراعي ظروف الشباب لجهة ان كل الناس اصبحوا متساوون من الناحية المالية، فتنازلت عن التكاليف الباهظة للزواج التي كانت في السابق، وهذه واحدة من الاشياء الجميلة التي يحث عليها ديننا الاسلامي- على حد قولها- وأصافت: نتمنى ان تستمر هذه الحالة الى ما بعد الحرب.
ووافقتها الرأي خزيمة هرون ابراهيم المتطوعة في مدرسة ام دوين الابتدائية بمدينة الجنينة، والتي قالت ان الزواج اثناء هذه الحرب لم يتوقف بل بالعكس ازداد الاقبال عليه بصورة كبيرة، بفضل تقليل تكاليف الزواج لان المجتمع اصبح يتعايش مع الوضع الراهن ويراعي الظروف، فتراجع عن الكثير من مراسم وتكاليف الزواج.
لكن سيدة ابكر اسحق عضو اتحاد المرأة بمعسكر تولم ترى ان الوضع في المعسكر يختلف تماماً حيث أجبرت المعيشة في المعسكر الشباب على عدم الاقبال على الزواج، وقالت إن الشباب في المعسكر لا يريدون ان يدخلوا انفسهم في مسئووليات والتزامات هم غير قادرين على تحملها. وكشفت عن أعداد كبيرة من الفتيات والنساء المطلقات والارامل وليس هناك شباب او رجل يحاول ان يتزوجهن، ودعت سيدة في الوقت نفسه شباب المعسكر الى الاقبال على الزواج.
مؤشرات وآثار نفسية
وتؤكد الاختصاصي النفسي دكتورة اخلاص عثمان ان الفترة الماضية شهدت حالات زواج لفتيات قاصرات وطالبات جامعيات لم يكملن مراحلهن الدراسية في الجامعات، وقالت انه من المعلوم ان كل فتاة تحلم بارتداء ثوب الزفاف وان عائلتها وصديقاتها تزفها الى عش الزوجية، لكن الحرب سلبت من الاسر مظاهر الفرح واصبحت الزيجات تتم دون التهنيئة من اي احد.
واشارت الى ان هذا الأمر لديه آثار نفسية كبيرة تنقص من الفرح داخل نفسية الفتاة رغم ان الاسباب تتفاوت بناء على الظروف الفردية والثقافية والاجتماعية للاسر.
وذكرت دكتورة اخلاص ان هذه الحرب خلقت واقعاً جديداً أدى الى تغيير احلام الشباب وافكارهم تجاه المؤسسة الزوجية.
وترى الاختصاصي النفسي ان من ابرز اسباب الاقبال على الزواج في زمن الحرب هو ان الشباب يعتقدون ان الزواج يوفر لهم دعم متبادل وحماية من المخاطر الناتجة عن الحرب، اضافة الى ان الزواج في زمن الحرب يعتبر بمثابة “معركة الثبات على الفرح” وتساءلت هل هذه الحالات هي شجاعة نادرة تستدعي التحية، ام هي انفصال كامل عن الواقع وتصرف عبثي في غير محله ؟
واضافت هناك مؤشر آخر هو ان الزوجين يعيشان حالة من القلق من ان الحرب قد تستمر طويلاً وقد يخسروا المزيد من السنوات التي كان الممكن ان يقضوها مع بعض، اضافة الى ان الزيجات التي تتم اثناء الحرب تعطي مؤشراً بأن هناك يأسٌ كاملٌ من ان تتحسن الاوضاع في القريب العاجل، بجانب ان الاعراس في ظل النزوح واللجوء تكون رغبة نفسية للشعور بأن الحياة مستمرة او ما يسمى “بآلية الدفاع للشخص” لمقاومة الضغوط التي يعيشها او الافلات عنها.
وطالبت الاختصاصي النفسي دكتورة اخلاص عثمان المنظمات العاملة في مجال الحماية بان تقوم بدورها الكامل، لجهة ان الحماية لا تعني فقط تقديم خدمات الغذاء والايواء، خاصة حماية الفتيات القاصرات والنساء من الانتهاكات والعنف المبني على النوع المحتمل ان يقع عليهن في مراكز الايواء والنزوح واللجوء.