محمد المكي ابراهيم : إحذر نايبك … حتى لو كان شايبك

الحقيقة دا بيت شعر قديم وحلو جدا ولكنه لم يعد صالحا للاستخدام، فالرائج هذه الأيام ليس الكبد، ولكن السلعة الرائجة حقاً هي الكلية، وهي التي يقبل الناس على شرائها أو سرقتها من طالبي اللجوء، أو شرائها من السودانيين المجدوعين بالقاهرة فرع العتبة والموسكي.

محمد المكي إبراهيم

وشايبك هذه معناها في الاستعمال القديم الجلكان أو العجوز أي الأب الوالد.
وهذا المثل بصياغته الحالية جديد من جهة الشكل، ولكنه قديم من حيث المعنى، فهو تحذير للكافة من الرجل نمرة اتنين، إذ أنه في الحقيقة المستفيد الأول مما قد يحيق بك من نوايب الدهر وبلاويه، لأنه سيأخذ موقعك من الإعراب، ويصبح مرفوعاً، بينما تسقط أنت مجروراً إلى أسفل سافلين.
والمثال الأوضح هو ما جرى لأخينا زيد مع عمرو، لأن زيداً اختار عمراً وجعله نائباً له، وخلق منه قائداً ونفخ فيه من روحه، حتى استوى عجلاً له خوار، فلما الدنيا هبهبت مع تلك الفصيلة، تآمر عمرو مع تسعةِ أشخاص آخرين جاءوا وقالوا لزيدٍ:
(أها ياجلكان احنا بقينا عشرة ونريد أن نعزلك من كل مناصبك)،
فصاح زيد صيحةً عظيمةً، وقال لنائبه: حتى أنت بقيت معاهم .. يا حبيبي حرام عليك؟ انتظروا لسوف اخسف بكم الأرض. وكما صنعتكم سأدمركم وأحولكم إلى غبار.
ولكن القادر كضب عبد القادر فقد انتصر شرهم على شره، وأخذوه ورموه في السجون، وأذاقوه التلاتل المتلتلة، حتى صارت أغنيته المفضلة: “روحي ليه مشتاقة ود مدني”، على خاطر البيت الذي يقول: “مالو اعياه النضال بدني”.
وكان كل ذلك من عمايل نائبه الأول، وحيث أنه لا شرف بين اللصوص، فأن نائب الفاعل لم يستمتع طويلاً بالغنيمة، وجرى تلفيق استقالته، وذهب إلى التقاعد الاجباري مسود الوجه كظيم.
الآن يتكرر نفس المشهد مع السيد غازي العتباني، وهو رجل نحمد له شجاعته التي جعلته يتجانب عن موكب المتأسلمين، لما رأى أنهم نفرٌ من عبيد الدنيا والشهوات، فقد خذله أشد الخذلان نائبه الأول وهو شخص بدرجة فريق أول، ونائب أول للسيد غازي العتباني في حركة الاصلاح، ولكن ذلك لم يمنعه من اتهام رجله الأول بتلقي هبة مالية ليس من زعيط أو معيط، وإنما من الاتحاد الأوروبي بجلالة قدره.
ودون الولوج إلى ساحة المعركة المحتدمة بين الرجلين، نبدي شيئا من الاستغراب لموجة السخاء هذه التي انتابت الأوروبيين تجاه حركة وليدة، ولم تمتد إلى حركة المعارضة العريقة، التي ظلت تستجدي الأوربيين أي شيء لله دون فائدة ودون طائل، بينما انبهلت انبهالا للسيد غازي صلاح الدين.
وصحيح ربنا يرزق من يشاء بغير حساب، ولكن لماذا هذا البوح المجاني من نائبه الأول؟
أما كان كافياً أن ينزل سعادته للسوق، ويشتري نسخة ورقية من تلك الحكمة القديمة التي تقول:
ماذا يفعل الحاسد مع الرازق، ويعلقها في مكتبه غيظة للحاسدين، وفخراً برئيسه المؤمن المبروك.
بصراحة أنا أعرف اقل القيل عن حزب الاصلاح وقائده السيد غازي ونائبه الذي بدرجة فريق أول، ولكنني اتمنى لثلاثتهم كل نجاح في معركتهم مع الفساد والمفسدين، ولكم كنت اتمنى أن لايكرر السيد غازي غلطة زعيمه الأكبر في الركون إلى الرتب العسكرية، فقد قال المثل القديم:
لا أمان لعسكر، فالحرب خدعة، والعسكر الناجح هو أكبر المخادعين.
ولن ننسى تلك الأيام الأولى، حين كان زيد يشرف بيوت العزاء بأكبرٍ جلبةِ ممكنةِ، وإلى جانبه عمرو على هيئة زابط مسكين، أو متمسكن أو مستكين، وحين جد الجد واكتملت عدة العشرة، جاء عمرو إلى زيد وورور (على وزن فعلل ومن باب صنقر وكنجر)
قلنا ورور له بأصبعه في عينو وقال:
يا تأكلها بصوفها أو تخليها مجزوزة،
فخلاها ولم ينال عقباها.
وذلك ضمن سلسلة طويلة من لعب العسكر على غير العسكر، لم يسلم منها حتى البيه، الذي اختار ألين العسكر ملمساً، وقال له:
يا عبود يا أخي خليها أمانة عندك لحدي ما الظروف تتحسن، بعدين رجعها لي،
فلم ترجع له حتى اليوم.
والحقيقة الكلام دا فيهو تقليل من مكانة الدهاء المدني أمام الدهاء العسكري، واعتراف بتفوق الكيد العسكري على كيد المدنيين، وهكذا حتى أصبح من الواجب على كل من يطمع في خيرا منها، أن يكون معه عميد من الجيش في أي انقلاب يقوم به على نسابته..
طيب احنا ال ماعندنا نسابة، ولا عميد من الجيش، ولنا كبد مقروحة، من يبيعنا بها كبدا ليست بذات قروح؟*
++
*الحقيقة دا بيت شعر قديم وحلو جدا ولكنه لم يعد صالحا للاستخدام، فالرائج هذه الأيام ليس الكبد، ولكن السلعة الرائجة حقاً هي الكلية، وهي التي يقبل الناس على شرائها أو سرقتها من طالبي اللجوء، أو شرائها من السودانيين المجدوعين بالقاهرة فرع العتبة والموسكي.

 

محمد المكي ابراهيم دبلماسي  وشاعر واديب