محجوب محمد صالح: لجنة الوساطة الإفريقية للسودان ومسلسل المحاولات غير المجدية
20/02/2016 14:43
راديو دبنقا
محجوب محمد صالح مؤسس وريس تحرير الايام
بقلم / محجوب محمد صالح
على مدى ثمانية أعوام ظلت اللجنة رفيعة المستوى التي شكَّلها الاتحاد الإفريقي تسعى للوصول إلى حلول لمشاكل وأزمات السودان الداخلية التي أدت إلى نزاعات داخلية ذات طبيعة دموية ظلت تحصد الأرواح وتدمر المرافق على مدى عقود من الزمان، ووصف الاتحاد الإفريقي اللجنة بأنها (رفيعة المستوى) لأنه شكَّلها من رؤساء دول إفريقية سابقين بحسبان أنهم اكتسبوا خبرة في التعامل مع النزاعات الدموية التي تذخر بها القارة وعهد برئاستها إلى رئيس جنوب إفريقيا السابق تابو أمبيكي، وظلت هذه اللجنة تحاول دون نجاح إحداث اختراق في أي من القضايا التي تعاملت معها لأنها جزأت القضايا ولم تتعامل معها كأزمة واحدة؛ فهي ركزت في المبتدأ على أزمة دارفور، ولما استعصت عليها نفضت يدها عنها وتركت الأمر لمنبر الدوحة، وآثرت أن تحصر جهودها في العلاقات الشمالية الجنوبية وعملت على التوصل إلى تسعة اتفاقات تحكم العلاقة بين الشمال والجنوب، ولكن تلك الاتفاقات لم تحدث أي تقدم في العلاقات الثنائية، ويجري الآن تحريكها لا لأسباب استراتيجية ولا لقناعة بتعاون بعيد المدى ولكن لمقاصد تكتيكية من كلا الطرفين بسبب التحديات الداخلية التي يواجهها كل منهما سواء على الصعيد الأمني أو الصعيد الاقتصادي؛ ولذلك لا يعدو هذا الحراك أن يكون ضرباً من المناورات الوقتية.
وبعد أزمة علاقة الدولتين انصرفت اللجنة نحو ملف الحرب في دارفور والولايتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان) والسعي لإحداث التحول الديمقراطي عبر حوار تفاوضي، ولكنها وجدت نفسها تدور في حلقة مفرغه لأنها منذ البداية تبنت أسلوب تجزئة الأزمة السودانية والنظر لكل قضية بشكل منفصل دون أن تتعامل مع القضايا الفرعية كجزء من أزمة شاملة لها تجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية مصحوبة بفشل في تأسيس نظام حكم يستوعب التنوع السوداني، ويقيم دولة ديمقراطية مبرأة من النزعات الشمولية والاستبداد والانفراد بالقرار وتهميش الآخرين، والآن يبدو أن اللجنة قررت أن تواصل عملها عبر عملية (ترقيع) تهدف إلى البحث عن تفاهمات شكلية لتجاوز عقبات مشروع الحوار الوطني الذي تعول عليه في العودة إلى مفهوم (الحل الشامل) الذي حادت عنه في الماضي، ولكن المنهج الجديد يتسم بالخلل الواضح لأنه يسعى لتجاوز الأزمة عبر الهروب منها إلى الأمام وتبني أسلوب عمل لا يلتزم بقرارات مجلس السلم الإفريقي ومجلس الأمن الدولي وكلاهما دعا إلى حوار تمهيدي بمشاركة كل القوى السياسية الفاعلة في السودان ينعقد في مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا ليرسم مسار الحوار الوطني الشامل ولكن الحكومة رفضت تماماً
اللجنة تريد الآن أن تختصر كل القوى السودانية في الداخل على تنوعها (في حزب الأمة القومي) وتأمل في أن تقبل كل القوى (بتفويضه) لتمثيلها وهي تدرك تماما صعوبة الحصول على هذا التفويض ولكنها تفعل ذلك في محاولة لإرضاء الحكومة التي ترفض تماماً إجراء حوار تمهيدي مع القوى السياسية الداخلية خارج السودان مع استعدادها للحديث فقط مع ممثلي الحركات المسلحة وحزب الأمة -بحجة أن رئيسه يقيم الآن خارج السودان– حول قضية وقف الحرب.
هذا هو الأساس الذي تقوم عليه دعوة اللجنة لاجتماع في أديس أبابا منتصف الشهر المقبل، وهي تعتزم توجيه الدعوة إلى الجانب الحكومي من ناحية وإلى المعارضة المسلحة ممثلة في حركتين من حركات دارفور (العدل والمساواة وجناح منى مناوي) وقطاع الشمال من الحركة الشعبية– وحزب الأمة من بين كل القوى السياسية المعارضة على أمل أن تعتبر هذا اللقاء هو (المؤتمر التحضيري) أو –على الأقل– اللقاء الذي يمهد للحوار التحضيري –أي أن الفكرة وراءه هي الالتفاف حول القرار الإفريقي المدعوم دولياً حول الحوار التحضيري ولا نحسب أن هذا المسعى سينجح وسينضم إلى قائمة طويلة من اللقاءات غير المثمرة التي عقدتها اللجنة مع أطراف الصراع.