الضغوط تتصاعد على السودان وواشنطن تلوح بملف “الأسلحة الكيميائية”
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - المصدر - من صفحته على الفيسبوك
امستردام: 30:نوفمبر: 2025: راديو دبنقا
تصاعدت الأزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة السودانية في أعقاب رفض الأخيرة، التجاوب مع مبادرة دول الآلية الرباعية الخاصة بإنهاء الحرب في السودان، والتي تضم الولايات المتحدة، السعودية، مصر والإمارات، وذلك باستخدام واشنطن ملف الأسلحة الكيميائية كواحدة من كروت الضغط على حكومة بورتسودان.
وفي تطور لافت دعا مكتب الشؤون الإفريقية في الخارجية الأميركية، حكومة السودان للتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والاعتراف بانتهاكاتها فورا. وشدد على ضرورة التوقف عن أي استخدام إضافي للأسلحة الكيميائية.
وقالت المتحدثة باسم مكتب الشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة أعلنت في مايو الماضي أنّ حكومة السودان استخدمت أسلحة كيميائية خلال عام 2024، مؤكدة أن القرار استند إلى تحليل دقيق. وأضافت أنه بعد هذا الإعلان، فرضت واشنطن عقوبات على الخرطوم في يونيو، معتبرة أن استخدام الأسلحة الكيميائية “غير مقبول” وينتهك الاتفاقية الدولية ذات الصلة.
وأعربت المتحدثة عن قلق بلادها من احتمال تكرار استخدام هذه الأسلحة، مشيرة إلى تقارير دولية حديثة تحدثت عن استخدام غاز الكلور الصناعي في السودان. ورحبت بالتزام الخرطوم المعلن بالتحقيق، لكنها شددت على أن “الالتزامات المعلنة وحدها ليست كافية”.
قرار العقوبات سياسي:
ومن وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية في الجامعات د. عبدالوهاب الطيب البشير، أن هذه العقوبات تعتمد على عوامل كثيرة تخص أمريكا ونظرتها للصراع في السودان وأطرافه. إضافة لمصالح حلفائها في المنطقة والذين قال بأنهم أساسيين في هذا الصراع مثل السعودية، مصر، تركيا، الإمارات، إثيوبيا، كينيا، وكل هذه الأطراف مهمة جدا في نظرتها للصراع.
وقال في حديثه لـ”راديو دبنقا” إنَّ أمريكا تواجه ضغوط كثيرة جداً في مسألة فرض عقوبات على السودان، ولذلك فإن الدلالات من إن أمريكا تصدر عقوبات على السودان باستخدام أسلحة كيميائية، اعتمدت فيها على قانون مراقبة الأسلحة الكيمية والبيولوجية في القانون الأمريكي الداخلي.
وأشار إلى أن هذا القرار يستند على حيثيات قانونية أمريكية داخلية من وجهة النظر الأمريكية والعقوبات التي تصدر وفقاً لقانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية الأمريكية، وليس قرار صادر من هيئة أو مؤسسة دولية مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وهي منظمة دولية والسودان يعتبر عضواً فيها.
وقال إنَّ القرار برغم أبعاده القانونية لكنه لا يخلو من البعد السياسي كما أن واشنطن لم تكشف عن التفاصيل الميدانية، التي تخص إدانة السودان وإصدار العقوبات بناء عليه وطرح الأسئلة المتعلقة باستخدام الجيش السوداني أو الحكومة السودانية، للأسلحة من حيث المكان والتوقيت.
وأضاف: أن الأمر يتطلب تحديد “متى وأين وفي أي معركة من المعارك وأي منطقة فالحرب كانت شاملة وطالت كل السودان بشتى اتجاهاته”، مبيناً أنه لاتوجد حتى عينات لنوعية هذه الأسلحة البيولوجية أو إجراء تحاليل معملية أومختبرية، مؤكداً أن هذه العقوبات ستكون مبنية على تقارير استخباراتية ونتائج تحقيقات أمريكية داخلية.
دعم الجيش السوداني:
وأشار الباحث الأكاديمي د.عبدالوهاب البشير إلى أن التحقيق في استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية حال قامت به منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يتطلب وقتاً طويلاً لجمع الأدلة والبراهين لاثبات هذه الإدعاءات أو الاتهامات حتى تصدر عقوبات على الجيش أو الحكومة السودانية.
واعتبر أن أمريكا أرادت إرسال رسالة قوية تحاول من خلالها ردع أوتخويف الحكومة أوالجيش السوداني بمنع استخدام هذه الأسلحة، حال كان ينوي أو مقبل على ذلك، أوالحلفاء الذين يدعمون السودان على أنه سيستخدم أسلحة كيميائية، وهذا ما تعتبره الولايات المتحدة تخطي للقوانين الحمراء وقانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية الأمريكي.
ولم يستبعد أن تكون هنالك محاولة لإرضاء كثير من جماعات الضغط الداخلية والإقليمية الحليفة لأمريكا، وقال إنَّ أمريكا أرادت من سرعة إصدار القرار أكثر من أحقيته أو فاعليته، وأرجع أن القرار كان داخلياً ولذلك تم اصداره بشكل سريع، لكنه رأى إن كان القرار صادر من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وهي منظمة دولية فالتحقيقات ستأخذ فترة طويلة وقد لاتستطيع فرض هذه العقوبات على السودان بشرعية دولية.
القرار أمريكي وليس دولي:
وحول امتلاك واشنطن أدلة كافية، لإدانة السودان باستخدام الأسلحة الكيميائية وعدم صدور القرار من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، قال استاذ العلوم السياسية د. عبدالوهاب البشير: إنَّ أمريكا لديها الحق ودون انتظار قرار من منظمة حظر الأسلحة الكيمائية الدولية، وذلك وفقاً للقانون الأمريكي في حظر استخدام الأسلحة الكيمائية والبيولوجية، ومن وجهة نظرها، من خلال تحقيقاتها الداخلية بناءً على تقارير استخباراتية، وليس تحقيقات أممية داخلية.
وأضاف بأن هذه الأدلة الموجودة وكافية لإصدار قرار أمريكي داخلي مؤسس وعندما تصدر أمريكا أي قرار فإنها تؤثر على الرأي العام العالمي والحلفاء وأطراف الصراع الموجودة في السودان.
ورأى د. الطيب البشير عدم استعانة أمريكا بمنظمة حظر الأسلحة الكيمائية لكي لا تحقق في الملف أو هي بعدما أجرت تحقيقاتها وأصدرت عقوباتها، من المفترض أن ترفع الملف لمنظمة حظر الأسلحة الكيمائية لكي تقوم المنظمة بإجراء تحقيقات تكون أكثر تأثير دولي وأكثر شرعية.
واعتبر أن أمريكا من هذه الزاوية فقدت الشرعية والمساندة الدولية وهذا يضعف الحجج الأمريكية في مسألة العقوبات لأنها ستكون أحادية، وقد وجدت معارضة من الحكومة السودانية، وتوقع أن تجد معارضة حتى من الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة، باعتبار أن الأسس المتعلقة بالتحقيق من طرف أحادي، أمريكا، والسودان عضو في المنظمة.
ولفت إلى أن القرار بناءً على ذلك يفقد الشفافية ويجعله ذو مصالح وأبعاد سياسية أكثر من أن تكون لديه أبعاد قانونية، وقال: أويكون الهدف من العقوبات لإيقاف الحرب أو لتقييد أطراف الحرب في أنهم لا يستخدمون هذه الأسلحة.
تأثير العقوبات على الحرب:
وحول جدوى العقوبات التي ظلت تصدرها الولايات المتحدة في حق قادة طرفي الصراع بهدف إيقاف الحرب، قال استاذ العلوم السياسية د. عبدالوهاب البشير في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن المسألة برمتها عقوبات وظيفية ومحدودة الفاعلية.
وأشار إلى أن العقوبات وظيفتها في حدود تجميد الأرصدة ووقف الصادرات والأموال والتعاملات الإقتصادية وحظر السفر بالنسبة لكبار الشخصيات، وتابع قائلاً: وبذلك تصبح مسألة تدابير مقصود بها استهداف طرف من طرفي الصراع.
ورأى أن أمريكا تستهدف الحكومة والجيش السوداني معتبراً أن هذه العقوبات نتيجة ضغوط دولية ولوبي داخلي و مصالح أمريكية خارجية وحلفائها الخارجيين. مستبعداً أن تكون عقوبات عسكرية لكنها سياسية ذات تأثير عسكري.
ومضى البشير للقول بأن العقوبات لا تؤثر على موازين القوة القتالية لأنها لا تؤثر على مسألة حجم السلاح ونوعه وشرائه، مضيفاُ بأنها لا تستطيع أن توقف تمويل السلاح نفسه، مشيراً إلى أن العقوبات تحذير لشركاء السودان في عدم تقديم دعم أو مدَّ الجيش السوداني بالسلاح الكيميائي.
وأوضح د. البشير أن القصد من العقوبات أيضاً تفاقم الأزمة الاقتصادية خاصة أن أمريكا تقوم بعقوبات جلها اقتصادية وإنسانية، وتضع الحكومة أو الجيش السوداني تحت الضغط للقبول بأي خيارات لتسوية أو حلول قادمة وهذه كلها ضغوط أمريكية.


and then