الجدل حول مبادرة دول الرباعية لسلام السودان لايزال قائما

صورة نشرها مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط على حسابه الرسمي له على منصة اكس ويظهر في الصورة هو وممثلي دول الرباعية السعودية ومصر والامارات بواشنطن - السبت 25 أكتوبر 2025

تقرير: سليمان سري
استبعد استاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعات د. عبدالناصر علي الفكي إغلاق الحكومة السودانية لملف آلية دول الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، مشيراً إلى أنه أصبح خاضعاً بدرجة كبيرة للتنافس الدولي على الموارد والنفوذ في المنطقة، متوقعاً أن يتوسع إطار الرباعية في المستقبل ليشمل أطرافاً دولية جديدة، في ظل اشتداد التنافس حول البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي والسودان.

وقال الفكي في حديثه لـ”راديو دبنقا” إن الملف السوداني يخضع بدرجة كبيرة لمصالح الدول العظمى وحلفائها، في ظل تنافس متصاعد على الموارد والثروات والمواقع الجيوسياسية في المنطقة.

وكان وزير الخارجية السوداني د. محي الدين سالم أعلن على نحوٍ مفاجئ عن خطوة تنذر باغلاق الحكومة السودانية لملف الآلية الرباعية وذلك بتصريحات قال فيها: إنَّ الآلية الرباعية لم تصدر بقرار من مجلس الأمن أو أي منظمة دولية، وبالتالي لا تتعامل معها الحكومة السودانية بصفة رسمية.

واضاف” نتعامل مع اشقائنا فى مصر وفى السعودية ، ومع الاصدقاء فى الولايات المتحدة الامريكية بصفات ثنائية ، ونجد كل التفاهم وننسق معهم كما حصل فى تنسيقنا اليوم مع مصر والامم المتحدة” .

وجاءت تصريحات المسؤول السوداني عقب جلسة مباحثات ثلاثية مشتركة، في بورتسودان، الثلاثاء، بين وزارة الخارجية والتعاون الدولي برئاسته ووزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر.

تنازلات متبادلة:

وأشار استاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعات د. عبدالناصر علي الفكي إلى أن التنازلات المتبادلة بين القوى الإقليمية والدولية تحدد طبيعة التفاوض الذي تراعاه “دول الآلية الرباعية” وإلى أي مدى نجاحها في تحييد الصراعات واحتوائها، مبيناً أن المشهد الراهن مرتبط مباشرة بالصراع المصري، الإثيوبي على منطقة البحر الأحمر.

وقال إنَّ ضرورة مطالبة إثيوبيا تاريخياً وسياسياً ولو بالقوة في الحق على الحصول عن منفذ بحري على البحر الأحمر، لافتاً إلى أن هذه القضية تتشابك أيضاً مع ملف إسرائيل وغزة، حيث يمكن أن تُجرى تسويات أو مقايضات سياسية ضمن إطار أوسع يشمل الأزمة السودانية.

وقال الفكي: “من هذا المنطلق، أرى أن الحكومة السودانية ليست سوى نقطة صغيرة في بحرٍ واسع من صراعات القوى العظمى على النفوذ”، مؤكداً أن الأزمة السودانية أصبحت جزءاً من صراع عالمي متعدد المستويات.

وأشار إلى أن الأسلحة الصينية في الحرب السودانية لديه وجود كبير، إذ تُستخدم على نطاق واسع أنظمة الدفاع الجوي والمضادات الأرضية الصينية، والتي أثبتت فعاليتها في ميادين سابقة، مثل الحرب الهندية–الباكستانية، عندما تمكنت المنظومات الدفاعية الصينية من إسقاط طائرات “رافال” إسرائيلية الصنع في الحرب الهندية الباكستانية.

وأوضح أن هذه التطورات ستنعكس على سوق السلاح العالمي وطبيعة بيعه للدول المتصارعة، في ظل التنافس الدولي المحموم بين الولايات المتحدة والصين في المقام الأول، وروسيا والاتحاد الأوروبي في المقام الثاني، وهو تنافس يدور حول الموارد، والنفوذ السياسي، وصفقات السلاح، والسيطرة من خلال مجلس الأمن الدولي.

الأزمة وتوازنات الدولية

ووصف أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعات الدكتور عبدالناصر علي الفكي العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسودان بأنها معقدة مرتبطة بتوازنات المصالح الإقليمية والدولية في المنطقة، وذلك تعليقاً على حديث وزير الخارجية السوداني بتجاوز الآلية الرباعية والتعاون مع من وصفهم بالاصدقاء فى الولايات المتحدة الامريكية بصفات ثنائية، مشيرًا إلى أن هذا الارتباط يعكس بوضوح طبيعة الصراع على النفوذ بين القوى الكبرى.

وقال الفكي بالنسبة لـ”لآلية الرباعية” فإنَّ عدم صدور أي قرار من مجلس الأمن الدولي بشأن السودان يجعل من كل المبادرات المطروحة مبادرات إعلامية أو فردية لا تمثل الشرعية الدولية، مشيراً إلى أن هذه هي الورقة التي تستخدمها الآن حكومة بورتسودان، إذ تنظر إلى ما يجري بوصفه مبادرات وبيانات صادرة عن أربع دول فقط، هي دول تمتلك مصالح وتشابكات استراتيجية في المنطقة.

وأضاف أن ملف السودان والحرب الدائرة فيه لا يمكن فصله عن الشرعية الدولية والمواقف السياسية للقوى الكبرى، مشيرًا إلى أن الصين وروسيا تمتلكان بدورهما مصالح واضحة في السودان. وتابع قائلا: “فـالصين تعد من أبرز المستثمرين الاقتصاديين في البلاد، بينما تسعى روسيا إلى إقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، وهي مسألة ذات أبعاد أمنية وإستراتيجية عميقة تتصل بمناطق النفوذ الممتدة من غرب إفريقيا وحتى البحر الأحمر”.

وأوضح الفكي أن هذه التطورات تأتي في سياق التصاعد الأمني في البحر الأحمر، مع تهديدات الحوثيين للممرات المائية، وظهور جماعات متفلّتة وقراصنة في السواحل الشرقية، إلى جانب الاهتمام الإسرائيلي والسعودي والمصري بأمن البحر الأحمر، مما يجعل كل هذه الملفات مرتبطة بتوازن القوى بين الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا.

وقال إنَّ أي قرار أو جهد لتحقيق السلام في السودان لا يمكن أن ينجح إلا عبر مجلس الأمن الدولي، الذي يمثل الإطار الشرعي الوحيد لهذه القضايا، مشيرًا إلى أن القوى الخمس الكبرى مطالبة بالتعاون وتنسيق مصالحها من أجل استقرار المنطقة.

جهود الولايات المتحدة:

وأوضح استاذ علم الاجتماع السياسي عبدالناصر الفكي أن الولايات المتحدة الأمريكية بذلت جهودًا عديدة في سبيل إحلال السلام في السودان، بدءًا من جهود المبعوث الأمريكي السابق تيم بيريلو الذي واجه صعوبات كبيرة ولم يحقق اختراقًا يُذكر، مرورًا بمحاولات مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا مسعد بولس، الذي يسعى حاليًا لاستكمال تلك الجهود ضمن إطار أوسع.

ونبه إلى أن الحكومة السودانية تستخدم هذه الورقة بذكاء سياسي لتحقيق مكاسب تكتيكية، لكنها في المقابل تدفع ثمن ذلك من معاناة الشعب السوداني وموارده المستقبلية. وأوضح أنه عندما يجري الحديث عن “أصدقاء السودان” في الولايات المتحدة، فإن المقصود في الواقع هو المصالح الاقتصادية والموارد الطبيعية وكيفية استغلالها لضمان استمرار النفوذ السياسي والحكم.

وشدد الفكي على أن المجتمع الدولي بات اليوم مطالبًا بتحمل مسؤولياته الأخلاقية والسياسية تجاه السودان، خاصة في ظل فشل آليات التحقيق الدولية السابقة، إذ لم تستطع اللجان الدولية المعنية بحقوق الإنسان التوصل إلى اتفاق أو إجماع داخل مجلس الأمن الدولي بشأن آلية واضحة للتحقيق والمساءلة، ما يعكس استمرار الانقسام الدولي حول الأزمة السودانية.

ولفت إلى أن أكثر ما يثير القلق في الحرب السودانية ويُعمّق تعقيدات المشهد ويُطيل أمد الانتهاكات والأزمات الإنسانية، هو أن هذه الحرب تُستخدم من قبل الأطراف الدولية كجزء من أدوات الموازنة السياسية والصراع على المصالح، متجاوزة بذلك قضايا الأمن الإنساني والانتهاكات الجسيمة التي تطال المدنيين.

وقال إنَّ هذا الواقع مؤسف للغاية، معبّراً عن أمله في أن تكون الشرعية الدولية أكثر فاعلية، بحيث تُصبح مصالح الشعوب وكرامة الإنسان وحماية حقوقه هي الركيزة الأساسية لأي حلول مطروحة، بدلاً من أن تتحكم فيها حسابات المصالح والتقاطعات بين أجندات الدول على المستويين الإقليمي والدولي.

وأكد أن ما يحتاجه السودان اليوم هو الاستقرار والتنمية المتوازنة، بعيداً عن المصالح الضيقة والمظالم العابرة للحدود التي تزيد الوضع تعقيداً.

تعزيز الإرادة الوطنية:

وعبر الباحث الأكاديمي د.عبدالناصر الفكي عن اعتقاده بأن السودان يحتاج، إلى جانب الضغط الدولي، إلى تعزيز الإرادة الوطنية في الداخل، مشيراً إلى أن الحلول لا يمكن أن تأتي كلها من الخارج.

وقال إنَّ الأساس هو أن يكون السودانيون مدركين تماماً لطبيعة الحرب، وجذور الأزمات، وتاريخ الدولة السودانية، وآليات استغلال هذه الصراعات، باعتبار أن جوهر الأزمة في المقام الأول سوداني المنشأ والمسؤولية.

وأضاف قائلاً: إنَّ العبء الأكبر يقع على القوى المدنية السودانية التي يجب أن تعمل على الالتفاف والوحدة والتضامن من أجل بلورة رؤية وطنية مشتركة تسهم في إنهاء المآسي التي يعيشها الشعب السوداني. وأضاف أن الأزمة السودانية متشابكة ومتجذّرة، وهي امتداد لأزمات الدولة السودانية منذ ما بعد الاستقلال، وقد ازدادت تعقيداً بفعل التداخل بين العوامل الاجتماعية والثقافية داخل الحرب.

وبيّن الفكي أن ما يجري اليوم يعكس انزلاقاً خطيراً، إذ أصبح التراث الشعبي والفلكلور والحكّامات والغنّايين من العوامل المؤثرة في توجيه مسار الحرب وإشعال خطاب الكراهية والتحريض، واصفاً ذلك بأنه أمر مؤسف للغاية ويعبّر عن عمق التصدع الاجتماعي الذي أنتجته الحرب.

Welcome

Install
×