سليمان بلدو: خطاب روبيو “المتشدد” تجاه الدعم السريع قد يرضي بورتسودان ويدفعها للهدنة

الدكتور سليمان بلدو-راديو دبنقا

امستردام: 15/ نوفمبر/2025م: راديو دبنقا

أثارت “التصريحات الساخطة” لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بتوجيه اتهامات لقوات الدعم السريع بارتكاب “أعمال عنف جنسي وفظائع بحق المدنيين وحمّلها مسؤولية التصعيد الدامي للنزاع في السودان، جدلاً واسعاً.

وشن المسؤول الأمريكي هجوماً على قوات الدعم السريع في تصريحات صحفية عقب اجتماع لمجموعة السبع في كندا، الخميس، مشدداً على أنه يجب اتخاذ إجراء لوقف الأسلحة والدعم الذي تحصل عليه قوات الدعم السريع”.

وأشار إلى أن هذه المساعدة تأتي بوضوح من خارج السودان، “ليس فقط من دول تدفع ثمنها، ولكن أيضًا من دول تسمح باستخدام أراضيها لشحنها ونقلها”.

وردا على سؤال بشأن موقفه من دعم تحرك في مجلس الشيوخ لتصنيف قوات الدعم إما كمنظمة إرهابية أجنبية أو ككيان خاضع للعقوبات، قال روبيو“إذا كان ذلك سيساعد في إنهاء هذه الأزمة، فسندعمه.

بينما واصل مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس في مساعيه بدعوة طرفي الحرب إلى “الموافقة الفورية على الهدنة الإنسانية المقترحة وتنفيذها”.

تبادل أدوار:

ووصف رئيس المرصد السوداني للشفافية والسياسات د. سليمان بلدو، هذا التضارب بين تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ومساعي مستشار الرئيس دونالد ترامب للشؤون الإفريقية مسعد بولس بأنه “توزيع أدوار”.

وقال بلدو لـ”راديو دبنقا” حيث يواصل بولس محاولة الضغط على الطرفين للقبول بالهدنة الإنسانية والتوقيع عليها، بينما يتبنّى روبيو في ذات الوقت، خطابًا أكثر تشددًا يحمّل قوات الدعم السريع مسؤولية الفظائع التي ارتكبتها في الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور عقب دخولها المدينة في 26/ أكتوبر/ 2025م، ويبعث برسائل تُرضي الحكومة السودانية في بورتسودان لتليين مواقفها ويدفعها نحو القبول بالهدنة.

وأوضح بلدو أن هذا النهج يهدف إلى دفع الدعم السريع نحو قبول الضغوط الدولية، في ظل تبنّي العالم وجهة نظر موحدة تعتبر هذه القوات مرتكبة ومسؤولة عن جرائم واسعة، وانتهاكات خطيرة، باعتبارها قوة متمردة. ولكن أي هيئة لديها مصداقية وشرعية.

وفي المقابل، أشار إلى أن هنالك جانب آخر يتعلق بالضغوط التي تعرضت لها الإمارات هي نفسها ماتعرضت له الولايات المتحدة التي تواجه ضغوطًا داخلية ودولية لمحاسبة جميع الدول الداعمة لأطراف الحرب، متوقعين منهم وقف اطلاق النار، وبالتالي لابد من التشدد مع الدول الإقليمية التي تدعم الطرفين.

كارثة الفاشر:

وقال الباحث في قضايا النزاعات وبناء السلام د. سليمان بلدو بما أن كارثة الفاشر كانت آخر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتبكتها قوات الدعم السريع، إذ دفعت المجتمع الدولي إلى تركيز أكثر على جرائمها، الأمر الذي جعل انتهاكات الجيش السوداني أصبحت منسية في هذه المرحلة.

وأضاف قائلاً: في واقع الأمر هنالك تحقيقات مستمرة في مجازر شهدتها أحياءالكنابي ومناطق أخرى بعد استعادة القوات المسلحة لمدينة لولاية الجزيرة،. وتوقع أن تظهر نتائج تلك التحقيقات لاحقًا وستسهم في كشف خروقات الطرفين لقوانين الحرب وتابع قائلا: “قتها سيتذكر الناس أن هذين الطرفين ليس فيهما طرف ملتزم باحترام القانون الدولي الإنساني”.

وأكّد بلدو أن هذه المعطيات سيكون لديها تبعات جسيمة فيما يختص بمصداقية الدعم السريع دولياً، وبالفعل أحرجت المساند الرئيسي لقوات الدعم السريع وستضاعف من الضغوط على حلفائه الإقليميين، واصفًا الوضع بأنه “خطأ كبير سيدفع ثمنه الجميع”.

وقال الخبير السوداني د.سليمان بلدو إن قوات الدعم السريع منذ فترة طويلة حتى قبل ظهور مبادرة آلية دول الرباعية كمبادرة لإيجاد حل للأزمة في السودان، كانت تتبنّي مبادرات سياسية متعددة بهدف إرضاء الولايات المتحدة استمالتها لموقفها.

كسب ثقة واشنطن:

وأوضح بلدو أن “الدعم السريع” أصدر قرارات بتكوين هيئة عليا للعمليات الإنسانية برئاسة منسق بدرجة وزير يشارك في اجتماعات مجلس وزراء “تأسيس”، تهدف إلى “إظهار حسن النوايا في ما يتعلق بإيصال المساعدات وحماية المدنيين”، في محاولة لكسب ثقة واشنطن والمجتمع الدولي.

وأشار إلى صدور مرسوم رئاسي من حكومة تأسيس لمكافحة الإرهاب الدولي، معتبراً أنها كانت إشارة مباشرة من حكومة “تأسيس” للولايات المتحدة تفيد بأن “الدعم السريع مستعد للالتزام بالترتيبات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب في المنطقة”.

لكن بلدو حذر من أن السودان سيواجه مخاطر حقيقية حال العودة إلى سابق عهده كقاعدة للإرهاب الدولي ولمجموعات التطرف العنيف، حال استمرت الأمور بالشكل الذي تواصل فيه الحركة الإسلامية لدفع حلول على أرض المعركة وليس التفاوض لإنهاء الصراع المسلح في السودان.
وأضاف أن إعلان “الدعم السريع” هدنة من جانب واحد يأتي ضمن سلسلة خطوات سياسية معتبراً أن حكومة تأسيس ومؤسساتها ومجلس وزرائها أن تستبق بهذا الإعلان إبداء حسن النية لتقديم نفسها كطرف مستعد للجلوس مع المجتمعين الدولي والإقليمي في المساعي لإيجاد عن حل تفاوضي، ولكن وفق الشروط التي تفضّلها هي “حكومة تأسيس”.

ما يعلن عنه مخالف للسلوك:

وعبر د. بلدو عن اعتقاده بأن أزمة تأسيس الرئيسية بالخطابات السياسية والبيانات والمراسيم الرئاسية، وما تتخذه من جانب واحد مثل الالتزام بإعلان الهدنة. وما يُعلن من مراسيم والتزامات، بما في ذلك إعلان الهدنة الإنسانية من طرف واحد بينما السلوك الفعلي على الأرض مختلف.

وأشار إلى أن هذا التناقض هو ما ركّز عليه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في تصريحاته الأخيرة، حيث أكد أن الحكم على الواقع يتم بالآمال وليس بالنوايا.

وقال بلدو إن الصدمة التي نتيجة لسلوكيات مقاتلي الدعم السريع في الفاشر بالفظائع والانتهاكات التي ارتكبتها في مدينة الفاشر صدمة عالمية على كآفة المستويات فيما يختص بحجم الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وانتهاكات حقوق الإنسان التي تمت، والاستهداف المباشر للمدنيين. مشيرا إلى ما حدث في مستشفى السعودي بمدينة الفاشر من تصفيات للمرضى موثقة بالصور.

وأضاف أن هذه الجرائم قادت إلى هزيمة سياسية لمؤسسات تأسيس في جانبها السياسي، وهزيمة أخلاقية وقانونية كونها ستدخلهم في دائرة المحاسبة الدولية بعدما أعلنت المحكمة الجنائية الدولية عن بدء تحقيق في الانتهاكات التي حدثت عقب دخول الدعم السريع إلى الفاشر.

وأكد بلدو أن تلك الانتهاكات الجسيمة تمثل هزيمة دبلوماسية، حيث وضعت الظهير الرئيسي للدعم السريع من دول الإقليم وهي، دولة الإمارات، في موقف حرج وخطير، عرضها لضغوط دولية غير مسبوقة ولإشانة سمعة على المستوى العالمي.

وأشار إلى أن معظم التعلقيات والتقارير والتحقيقات التي جرت في كبريات الصحف الدولية والمؤسسات الإعلامية العالمية، ركزت على سؤال محوري: ” ماذا تفعل الإمارات بمساندة مثل هذه القوات التي ترتكب الفظائع والانتهاكات الخطيرة، بما في ذلك الاستهداف الإثني والعنف الجنسي والجرائم البشعة التي حدثت بعد دخولهم مدينة الفاشر”

وخلص بلدو، في هذا الصدد، إلى القول: “بأننا دخلنا في موقع ملئ بالهزائم الأخلاقية والقانونية والدبلوماسية”، معتبراً أن كل هذه التطورات مجتمعة أدت إلى إلغاء كل حسن النوايا الإيجابية التي أبداها “الدعم السريع”، والسخط الذي عبر عنه وزير الخارجية الأميركي.

سخط روبيو ومصالح أمريكا:

وأكد بلدو إلى أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بالفعل تعبر عن سخط شديد ولكنها تصطدم بمصلحة أمريكا في منطقة الشرق الأوسط والمصالح الاقتصادية لإدارة الرئيس دونالد ترامب، تقتضي أن تعطي أسبقية مطلقة لعلاقتها مع دولة الإمارات.

وأرجع ذلك إلى أن هنالك استثمارات إماراتية ضخمة جداً في الاقتصاد الأمريكي كما هو معروف بالمليارات، وللمؤسسات الخاصة ولترامب نفسه وأسرته ولكل من حوله من حركة نجعل من أمريكا عظيمة مرة أخرى.
واعتبر أن هذه المصالح قد تجعلهم يتركوا تهديدهم لهذه الدولة الإقليمية التابعة للدعم السريع، تتحول لضغوط دبلوماسية لن تكون بالشكل المباشر الذي يمكن أن يتم على قوة مثل قوات الدعم السريع.
وأوضح أن الإشارة التي ذكرها وزير الخارجية الأمريكي إلى تصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية دولية، إجراءاتها تمضي بصورة مستقلة منذ فترة في مجلس الشيوخ والكونغرس، ولكن أحداث الفاشر ستعجل به على أساس أنه يطرح أمام الكونغرس على أساس يتم التصويت عليه ويصبح التصنيف قانوني ورسمي.

Welcome

Install
×