محطة توليد كهرباء النهود بولاية شمال كردفان - المصدر الشركة السودانية لتوليد الكهرباء

منتدى الإعلام السوداني

الخرطوم، 29 سبتمبر 2025، (التغيير)- الصور المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي للخرطوم وبحري بعد غروب الشمس، والمدينتان غارقتان في ظلام دامس، تبعث على الحزن والكآبة،  وتجسد خسائر الحرب عن طريق الظلام الموحش والصمت الرهيب.

في خضم حرب عنيفة تجري بين الجيش السودلني وقوات الدعم السريع، تشير التقديرات الأولية الخاصة بإعادة تأهيل محطات الكهرباء المتضررة من الحرب،  خاصة الحرارية في منطقة قري والخرطوم بحري، وكذلك الشبكة العامة، تحتاج إلى أكثر من ملياري دولار للصيانة.

خسائر ضخمة

خسائر كبيرة لحقت بقطاع الكهرباء بالسودان بسبب الحرب والاستهداف المباشر لقوات الدعم السريع للقطاع بـ (المسيرات) وسرقة الآليات والمعدات والنحاس، بجانب الضربات العشوائية لطرفي النزاع.

وبحسب شركة كهرباء السودان، فإن أطوال الخطوط المتعطلة نتيجة التخريب بلغت نحو “150” ألف كيلومتر، فيما تشير التقديرات إلى تدمير نحو 15 ألف محول كهربائي بسعات مختلفة، تبلغ قيمة الواحد منها نحو “46 “ألف دولار. كما تم نهب كميات ضخمة من الكابلات بهدف استخراج النحاس، إلى جانب فقدان شركات الكهرباء كامل مخزونها من المعدات الحيوية في مستودعاتها، خاصة بالخرطوم التي تعرضت للنهب الكامل.

وبلغت نسبة التلف في محطة بحري الحرارية بحسب الدكتور محمود شريف “100%” ومحطة قري (1.2.4) محطة جبل أولياء أيضا نسبة “100%” بجانب فقدان أطوال “1500” كيلو متر خطوط نقل، وسرقة (20) ألف برميل من زيوت المحولات ومجمل الخسائر أدت إلى فقدان “1000” ميغاواط، تعادل (35%) من مجمل الإنتاج.

استهداف

يقول الاقتصادي مجاهد علي لـ (التغيير)، وهو لصيق بهذا المجال، إن استهداف قوات الدعم السريع للكهرباء أثر بصورة مباشرة على المواطنين في معاشهم اليومي، ويضيف: “الحرب لديها تأثيرات مرصودة حسابيا في حدود القتال المباشر بين الطرفين، لكن هناك أشياء غير مرئية حسب التقديرات لبعض الجهات والشخصيات، مثلا الدكتور إبراهيم البدوي، وزير المالية في حكومة عبد الله حمدوك الأولى،  قدر خسائر الحرب بـ (65) مليار دولار حتى العام 2024.

المصانع

مثلا: القطاع السكني هو المتضرر الأكبر، ولكن سنتحدث عن بقية القطاعات، إذ تعد  الصناعة الأكثر ضررا، لجهة أنها الأعلى استهلاكا للكهرباء في السودان، خاصة في الخرطوم (80%) من المصانع توقفت، خاصة العاملة في مجال الأغذية وإعادة التعبئة، وهذه ضررها مباشر على المواطنين بنقص السلع وارتفاع أسعار البدائل المستوردة.

والكارثة الكبرى كانت في نهب المتبقي من المصانع وتجريفها بصورة كاملة: الكهرباء الداخلية والماكينات والتوصيلات الداخلية سرقت بغرض بيع النحاس باعتباره مادة سريعة التصنيع في شكل سبائك وأسعارها عالية في العالم.

وقدر الخبير الاقتصادي مجاهد علي حجم التدمير في الكهرباء في العاصمة الخرطوم بـ (3) مليارات دولار خلال فترة سيطرة قوات الدعم السريع على العاصمة، إذ أن قطاع الكهرباء والمياه تعرض لنهب ودمار في الكابلات الأرضية وخطوط الضغط العالي والأميات دمرت، وحتى زيوت الأميات سرقت.

يقول مجاهد: بعد تحرير الخرطوم والجزيرة تعطلت الخدمات مما أعاق محاولات أصحاب رؤوس الأموال في الاستثمار من جديد وإعادة البناء للمصانع والمزارع، لكن فوجئوا بأن القطاع الكهربائي وقع عليه تدمير شامل مما سيؤثر على عودة الخدمات، خاصة أن الصرف في الحرب موجه للترتيبات العسكرية حسب أوليات الموازنة مما يثقل كاهل الخزينة التي تعتمد الرسوم الجمركية والضرائب.

فقدان مصادر الدخل

أصبح القطاع الخدمي معطلا، وبالتالي قدرة الدولة على الصرف اختلت، ولذلك هناك صعوبة في إعادة تشغيل الكهرباء والمياه، حيث توقفت معظم محطات المياه بالعاصمة ومعظمها مرتبط بالكهرباء. وحاليا تجري صيانتها بتكلفة باهظة.

يضيف مجاهد علي: يجب ألا ننسى أن الجنيه السوداني أيضا فقد الكثير من قيمته بسبب الحرب لصالح العملات الأجنبية، خاصة الدولار، وبالتالي ارتفعت تكلفة إعادة تشغيل المصانع والخدمات عموما.

الصحة العامة

يقول مجاهد إن قطوعات الكهرباء مؤثرة بصورة مباشرة على الصحة العامة، فالقطاع الصحي الذي تدمر بنسبة (90%) كان يعتمد على الكهرباء المنتظمة بصورة كبيرة لدرجة أن معظم المستشفيات الكبيرة كانت لديها سابقا خطوط كهرباء (ساخنة) خارج برمجة القطوعات.

أيضا تأثرت المستشفيات بقطع الاتصالات التي كانت تعتمد عليها في العمليات المختلفة، مثل الربط الشبكي بين غرف الفحص والعمليات وإدارة الدواء والاحصائيات والأمراض، كذلك فقدت المستشفيات مصادر المياه الصحية النقية، فكل هذه الأشياء مرتبطة بالكهرباء.

مصانع الدواء

يشير مجاهد علي إلى توقف مصانع الأدوية المحلية بسبب الكهرباء قائلا: حاليا معظم الأدوية والمستهلكات تأتي من الخارج مما يرفع من تكلفة العلاج والدواء.

بدائل

وبحسب متابعات (التغيير) يتراوح سعر معدات وحدة الطاقة الشمسية التي تكفي لتشغيل الحد الأدنى من الأجهزة المنزلية ما بين (2-3) ملايين جنيه سوداني في المتوسط.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كان قد تعهد بالعمل في مجال الطاقة الشمسية بالسودان كبرنامج مستدام في المراكز الصحية والمستشفيات، فضلاً عن اتجاه البرنامج لمراجعة وصيانة الكهرباء بالمستشفيات بالتنسيق مع إدارة الكهرباء والمياه.

يذكر أن ولاية الجزيرة شرعت في تركيب بدائل للكهرباء بعد الأضرار الكبيرة التي لحقت بالقطاع متمثلة في تركيب (267) وحدة طاقة شمسية لتشغيل محطات المياه والمستشفيات في المحليات.

الزراعة

ويري مجاهد أن القطاع الزراعي المطري في ولاية القضارف، وولايات كردفان ودارفور والنيل الأزرق وسنار لم يتاثر كثيرا بانقطاع التيار الكهربائي، لكن هناك تأثيرا كبيرا على القطاع المروى من الخزانات: الجزيرة والرهد والولايات الشمالية ونهر النيل. بجانب الزراعة البستانية وزراعة المحاور حيث لجأ المزارعون وإدارات المشاريع للوقود والطاقة الشمسية مرتفعة الثمن والتكلفة.

وأشار مجاهد إلى أن محولات الكهرباء بالشمالية تعرضت لاعتداءات متكررة من قبل مسيرات قوات الدعم السريع خلال فترة الموسم الشتوي “القمح والفول”، ومعلوم أن الولاية تعيش على موسم واحد فقط، حيث لحقت بالمزارعين في الشمالية ونهر النيل خسائر كبيرة جدا ربما تدفعهم إلى الإحجام عن الزراعة في المستقبل أو تقليل الكميات والمساحات لتقليل الخسائر.

عجز

لافتا إلى أن الدمار في الكهرباء أثر على الإنتاج الزراعي وانعكس الأمر بصورة مباشرة في ميزان المدفوعات في شق الصادرات، حيث عجز القطاع الزراعي عن تحقيق الربط المطلوب في الصادر بتناقص الكميات وتراجع الجودة، وحتى عندما تصل المنتجات السودانية إلى الأسواق العالمية تكون تكلفتها عالية ولا تنافس.

من جانبة يقول المحلل الاقتصادي د. حسن عبد العظيم لـ (التغيير) إن الكهرباء عامل مؤثر في الحياة اليومية للمواطنين إذ لا يستطيعون تخزين فائض الطعام في الثلاجة، وهذا يعني أن طهو “حلة الملاح” سيكون يوميا، وهذا يؤثر في الميزانية العامة للأسر.

أيضا القطوعات المستمرة في المناطق التي توجد بها كهرباء تسببت في خسائر كبيرة لأصحاب المحال التجارية بتلف متكرر لكميات من المواد الغذائية غير القابلة للتخزين، من لحوم وخضروات وفواكه وألبان إذ أن المواطن هو الذي يدفع الفاتورة للتجار وللحكومة، دون أن يجد أي دعم، وحتى المرتبات توقفت بنسب متفاوتة.

حلول

يؤكد عبد العظيم أن الحل يكمن في تفعيل القرارات الخاصة بإعفاء ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات من الجمارك وتسهيل التمويل المصرفي للمواطنين لشراء الألواح والمنظومات الخاصة بالطاقة. ويقول إن الحل المؤقت والساهل يكمن في تفعيل القرارات الخاصة بإعفاء الواح الطاقة الشمسية والبطاريات من الجمارك وتسهيل التمويل المصرفي للمواطنين لشراء الألواح والمنظومات الخاصة بالطاقة.

وأضاف عبد العظيم: يمكن للحكومة أن تعقد اتفاقية مع دولة إثيوبيا لشراء فائض الطاقة من سد النهضة، كما كان مخططا له، مشيرا إلى ضرورة وضع مصلحة السودان أولا، لجهة أن مصر لن تستطيع مد السودان بالكميات الكافية، في حين أن إثيوبيا تنتج كميات ضخمة وسهلة الوصول في ظل وجود خطوط الضغط العالي بين البلدين.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد صحيفة (التغيير)، وتتناول جانبا من كارثة الحرب التي تندلع لأكثر من عامين بين الجيش وقوات الدعم السريع. فإلى جانب الخسائر البشرية، فإن مادة صحيفة (التغيير) تعكس بالأرقام الخسائر المليارية التي مني بها قطاع الكهرباء وما يتبعه من صناعة وصحة واقتصاد يومي للمواطنين.

Welcome

Install
×