خبير امني ومحلل بيانات يحذر : السودان في طريقه ليكون اكبر بؤرة للإرهاب والتطرف العنيف في العالم!

اللواء شرطة (م) دكتور عصام عباس مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات مصدر الصورة : راديو دبنقا
أمستردام : 29 سبتمبر 2025: راديو دبنقا
بينما تتجه الحرب المدمرة في السودان الى اكمال عامها الثالث، لا زالت الأوضاع تبدو على حالها ، وقد تجاوزت حدود المعارك الميدانية بين الاطراف المتقاتلة. فالخراب الذي طال مؤسسات الدولة ، لم يقتصر على جبهات القتال، بل أشعل نيران عنصرية (قبلية، عرقية وجهوية) وصلت الى حد الابادة الجماعية بحسب واشنطن ، والقتل على الهوية وخطاب الكراهية وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية ما ادي الى الفتك بالنسيج الاجتماعي للمجتمع السوداني، وفتح الباب واسعا أمام مخاطر ومهددات الإرهاب والتطرف العنيف وانهيار الدولة والتفتت والتقسيم .
وفي هذا الخصوص استضاف برنامج بصراحة عبر راديو دبنقا اللواء شرطة (م) دكتور عصام عباس مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات في حلقة شاملة بعنوان ( احتمالات وفرص تحول السودان – خلال الحرب الحالية – لبؤرة للارهاب والتطرف العنيف ) ,
وحذر ، اللواء د. عصام ، في المقابلة المطولة التي بثها راديو دبنقا في عطلة نهاية الاسبوع جذر من أن السودان يمضي بخطى متسارعة نحو التحول إلى (بؤرة للإرهاب والتطرف العنيف) حال لم تتوقف الحرب فوراً ، وتُتخذ إجراءات عاجلة لإعادة بناء الدولة السودانية على اسس جديدة .
وأوضح أن الاضطرابات السياسية وسيطرة “المتطرفين الإسلاميين” على مقاليد الحكم لثلاث عقود من 1989 وحتى سقوط نظامهم ، ودخولهم في الحرب الحالية وبكل ثقلهم وفي المقدمة ، بالإضافة الى علاقاتهم الواسعة جدا مع الجماعات الإسلامية المتطرفة تشير وبوضوح ان السودان في طريقه – إذا لم نتدارك ذلك الان – ، ان يصبح اكبر بؤرة للإرهاب والتطرف العنيف ويهدد الامن والسلم الدوليين .
واشار الى ان فشل الدولة في حلحلة الوضع السياسي والاقتصادي المتدهور ثم اندلاع الحرب ساهم في توفير بيئة خصبة لنشاط الجماعات المتطرفة.
استحالة الحسم العسكري
وقطع اللواء شرطة (م) دكتور عصام عباس في بداية المقابلة مع راديو دبنقا باستحالة الحسم العسكري للحرب التي تحوّلت إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، واضاف (مرور أكثر من عامين على الحرب يثبت استحالة حسمها بالقوة العسكرية.)
وأوضح أن ملامح السيطرة والتقدم الميداني ، تشهد تغيراً مستمراً بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ شهدت بدايات الحرب ، تقدماً واسعاً للدعم السريع، قبل أن يتمكن الجيش لاحقاً ، من استعادة زمام المبادرة ، وبسط سيطرته على مناطق حيوية، أبرزها ولاية الخرطوم ــ مركز الحكم والسياسة ــ وولاية الجزيرة التي تُعد من أكبر الولايات من حيث الاقتصاد السوداني.
الموقف الميداني للمعارك
في المقابل،يقول اللواء عصام: نشطت العمليات العسكرية في دارفور بصورة مزعجة، نتيجة إصرار قوات الدعم السريع على إسقاط مدينة الفاشر بالقوة، في ظل دفاع مستميت من الجيش ، والقوة المشتركة المتحالفة معه ، للحيلولة دون سقوط المدينة. كما تشهد ولايات كردفان الثلاث ، عمليات عسكرية متصاعدة: ففي شمال كردفان وقعت مواجهات عنيفة في بارا ، والخوي ، ومحيط مدينة الأبيض، فيما تركزت المعارك في غرب كردفان ، على مناطق النهود وحقول البترول بالقرب من مدينة بابنوسة. أما جنوب كردفان ، فقد شهدت محاولات مكثفة لإسقاط مدينة كادوقلي، مع تصاعد العمليات في مدينة الدبيبات .
دخول المسيزات و الطيران الحربي
وأشار اللواء عصام إلى أن الطرفين حققا تقدماً ميدانياً في مناطق مختلفة، إلا أن أبرز ما ميّز العمليات العسكرية في الاشهر الأخيرة ، هو الاستخدام الواسع للطائرات المسيّرة من الطرفين. ( فالدعم السريع تمكن من شن هجمات ، وصلت إلى عمق مناطق سيطرة الجيش، بينما كثف سلاح الجو السوداني ، والطائرات المسيرة ضرباته ، على مواقع الدعم السريع. واعتبر أن هذه النقلة النوعية في الحرب ، تمثل تطوراً عسكرياً مؤثراً، لكنها انعكست أولاً وأخيراً على المدنيين.
وأضاف أن الحراك العسكري المتواصل ، خلّف ضحايا كثر من الأبرياء “الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب”، إلى جانب الدمار الواسع للبنية التحتية في مختلف المناطق، سواء تحت سيطرة الجيش أو الدعم السريع. كما لم تسلم أماكن العبادة ، والمستشفيات، والأسواق من الاستهداف، مشيراً إلى حوادث موثقة مثل قصف مسجد في الفاشر أودى بحياة عشرات المصلين، إضافة إلى هجمات على مستشفيات ومرافق حيوية أخرى.
واضاف (حسب تقارير الأمم المتحدة، فقد شهد النصف الأول من عام 2025 ارتفاعاً كبيراً في عدد القتلى المدنيين، خاصة في دارفور، إلى جانب سقوط ضحايا مدنيين جراء قصف مدينة كادوقلي بجنوب كردفان، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في مناطق سيطرتهما. )
تآكل سلطة الدولة وانهيار مؤسساتها الأمنية والإدارية
يقول اللواء (م) عصام عباس إن التطورات العسكرية التي تشهدها ساحات المعارك لا تنفصل عن البعد الإنساني، إذ صنفت هذه الحرب بأنها ( أسوأ كارثة إنسانية يشهدها العالم في الفترات الأخيرة، بما تحمله من مخاطر ومهددات لا تقتصر على الداخل السوداني وحده وإنما على الإقليم وعلى المجتمع الدولي.)
وبحسب اللواء (م) عصام، فإن أول مخاطرهذه الحرب، هو تآكل سلطة الدولة وانهيار مؤسساتها الأمنية والإدارية. حيث يشير الواقع الى إن البلاد باتت مقسّمة فعلياً بين ساحات نفوذ؛ (فهناك جيش يحكم منطقة، وهناك قوات الدعم السريع تحكم منطقة أخرى.)
وأوضح أن أجهزة الأمن والشرطة، انهارت في معظم المدن ، حيث انحصرت مظاهر الشرطة في مراكز ومدن محددة، بينما تشهد مساحات واسعة غياباً تاماً للشرطة ووجوداً موازياً لجماعات محلية ومليشيات قبلية تسيطر على مناطق بأكملها.

الكراهية والقتل على الهوية
من المخاطر التي تواجه البلاد بحسب اللواء عصام هو انفجار العنف على أساس هوياتي. وقال إن الصراع اتخذ طابعاً جهوياً وقبلياً وعرقياً، مع استغلاله لتغذية نزاعات قديمة ــ خاصة في دارفور، كردفان، والمناطق المحيطة بالنيل الأزرق ــ ما أدى إلى ارتفاع كبير في خطاب الكراهية ، وحدوث مجازر ذات طابع إثني وديني. بحسب اللواء (م) عصام عباس هذا التصاعد في العنف والتمييز (يزرع بذور حرب أهلية طويلة المدى، ويقود البلاد نحو هاوية عنفية مبنية على أساس هوياتي.)
الإرهاب والتطرف
وينبه اللواء (م) عصام عباس الى أن الفراغ الأمني الناتج عن كل ما سبق ، يفتح الباب أمام جماعات متطرفة مثل (القاعدة وداعش) للانتشار أو العودة، وقال ( في ظل حدود برية طويلة تتجاوز 6500 كيلومتراً مع دول جوار تعاني اضطرابات، يصبح السودان أرضاً خصبة ، لتشكّل معسكرات ، ونشاطات متطرفة ، إذا استمر الانهيار الأمني الذي تعيشه البلاد.)
وحذّر عصام من العواقب التي خلفتها الحرب الحالية ( من انهيار للاقتصاد الوطني والكارثة الإنسانية المتفاقمة المتمثلة ، في ارتفاع معدلات الجوع، تدمر البنية التحتية، تعطيل المصانع، تشريد العمال، توقف المشاريع الزراعية وتدهور المَرعَى والبيئة المهيأة للثروة الحيوانية) .
واكد انكل هذه العوامل ( تغذّي بدورها فقدان النظام الاجتماعي والاقتصادي، مما يعظّم من المخاطر السياسية والأمنية.) وحذر الخبير الأمني من هذه المهددات المتمثلة في (انتشار السلاح، الإفلات من المساءلة، الاستقطاب القبلي والجهوي، وتصاعد خطاب الكراهية ، من انها ستؤدي – في غياب تدخل جاد – إلى صدام مجتمعي مؤسف في تاريخ السودان).
العسكرة وانتشار السلاح
بحسب اللواء (م) عباس فإن التهديد الذي يواجه البلاد في المستقبل القريب، يكمن في عسكرة المجتمع ، وانتشار السلاح بصورة غير مسبوقة بين المدنيين. منوهاً إلى سهولة الحصول على السلاح وبتوجيهات صادرة من أعلى المستويات في كلا المعسكرين شجعت الأفراد على التسلح . وقال ان سهولة الحصول على السلاح ، أدى إلى تحول فئات من الشباب وحتى الأطفال ، إلى حاملين للسلاح، في وقت توقف التعليم في مناطق واسعة. محذراً من أن عسكرة المجتمع ، ( تُعد من أخطر مهددات مستقبل السودان.)
ويقول اللواء (م) عصام عباس ان الحصول على السلاح اصبح اليوم متاحاً وبلا ضوابط، ومع تدفقات الأسلحة عبر الحدود المفتوحة، صار السودان سوقاً ناشئاً للأسلحة النوعية. وتساءل في هذا الخصوص : (هل يعقل أن يمتلك مواطن عادي مدفع رشاش من طراز دكتوريوف أو كلاشنيكوف أو مدفع عيار 42؟ ) واضاف ( هل يعقل كذلك وهو ما حادث الان أن يوجد لدي مواطن قاذف قنابل أو أسلحة متقدمة؟) . واكد أن انتشار مثل هذه الأسلحة النوعية بين المدنيين ( يثير قلقاً بالغاً، لأنها ليست أسلحة للحماية الشخصية بل أدوات ذات تأثير مدمر، وتأيرها الاجتماعي سلبي للغاية حتى بعد أي سلام محتمل.)

لا توجد دولة
وشدد اللواء عصام على أن ( حل أزمة السلاح والعسكرة لا يمكن أن يكون سطحياً أو نظرياً فقط، بل يتطلب الأمر استراتيجية واضحة جداً ومحددة تمكّن الدولة المدنية المستقبلية من استعادة السيطرة على السلاح المنفلت، عبر إجراءات قانونية واجتماعية وسياسية وأمنية متكاملة.) واضاف (هذه الاستراتيجية يجب أن تعمل على خفض مستويات التوتر، تقليل خطاب الكراهية، معالجة الغبن الاجتماعي، وإعادة ربط النسيج المجتمعي المتصدع.)
واكد أن مواجهة هذا الخطر (ليست بسيطة) ( بل تحتاج لعمل مؤسسي متكامل يضم أجهزة الدولة ، وقواعد المجتمع وكل المكونات المجتمعية. ) فالسودان اليوم، وفقاً للدكتور عصام ، ( لا يملك دولة فعلية ، بقدر ما يملك ، سلطتين متنازعتين ، تتُصارعان على السلطة، وأن غياب مؤسسات الدولة الحديثة (الخدمات، التعليم، الصحة، الأمن، الاقتصاد والتنمية) هو أحد الأسباب الجوهرية للأزمة. ( وفي الوقت نفسه، تفشي الاستقطابات العرقية والجهوية يزيد من تعقيد المشهد.)
ورغم ذلك ، اعرب اللواء عصام عن تفاؤل حذر؛ في ظل وجود «حراك دولي وإقليمي ومحلي» يسعى إلى إعادة السلام وبناء دولة سودانية. واستشهد في ذلك بوجود دول في العالم مرّت بحروب مدمّرة استطاعت بعد ذلك بناء دول حديثة قوية بالاستفادة من التجربة. وأكد أن الطريق ليس سهل في ظل الوضع الراهن، لكنه لا يعني الاستسلام.
الارهاب والتطرف العنيف
وحذر مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات، اللواء شرطة متقاعد الدكتور عصام عباس، من أن السودان يمضي بخطى متسارعة نحو التحول إلى “بؤرة للإرهاب العنيف” حال لم تتوقف الحرب فوراً وتُتخذ إجراءات عاجلة لإعادة بناء الدولة.
وأضاف أن السودان يحتل موقع جغرافي مثالي في القارة الأفريقية والدول العربية، وكحال معظم الدول يشارك حدود مفتوحة مع سبع دول تعاني كلها من
وأوضح أن الاضطرابات السياسية وسيطرة (المتطرفين الإسلاميين) على مقاليد الحكم لثلاث عقود من 1989 وحتى سقوط نظامهم ، ودخول في الحرب الحالية ، وبكل ثقلهم وفي المقدمة ، بالإضافة الى علاقاتهم الواسعة جدا ، مع الجماعات الإسلامية المتطرفة ، تشير وبوضوح ، ان السودان في طريقه – إذا لم نتدارك ذلك الان – ، ان يصبح اكبر بؤرة للإرهاب والتطرف العنيف.
واعتبر أن هذه الجماعات المرتبطة بالاسلام السياسي ( لا تعترف بالحدود الوطنية ولا بالولاية القانونية للدول) وأضاف:( لايوجد لديهم ما يسمى بأن هذه دولة السودان ، وتلك تشاد أو مصر أو ليبيا، فهذه كلها بالنسبة لهم، أرضهم يتحركون فيها كما يشآون.)
واكد ان الظروف الأمنية التي يعيشها السودان ، وانتشار العنف المصحوب بالتطرف والتمييز العرقي والجهو ي وغيرها من التشوهات الاجتماعية ، عززت من فرص واحتمالات تحول السودان ، إلى دولة حاضنة للإرهاب ، والتطرف العنيف . واشار الى ان فشل الدولة ، في حلحلة الوضع السياسي والاقتصادي المتدهور ، ثم اندلاع الحرب ، ساهم في توفير بيئة خصبة ، لنشاط الجماعات المتطرفة.
تاريخ الارهاب ونشاطه في السودان
وحول تاريخ الارهاب ونشاطه في السودان اكد اللواء الدكتور عصام عباس في المقابلة مع دبنقا ، ان حذور النشاط الارهابي في السودان ( تعمقت عقب استيلاء الحركة الإسلامية السودانية على مقاليد الحكم في انقلاب عسكري في 1989 بقيادة الرئيس المخلوع عمر البشير ، وتبنيهم اقانة دولة اسلامية .) واكد ان ( الحرب والواقع الجيوسياسي للسودان ، وسيطرة المتطرفين الإسلاميين على مقاليد الحكم لثلاث عقود ، وخلقهم لحاضنة متماهية ، مع فكرهم ، ورؤاهم ، وفتحهم لأبواب السودان ، لمعظم إرهابي العالم ، من داعش، بوكو حارم ، التكفيريين وغيرهم ، جعلت السودان مرشحا ، ليكون حاضنة للإرهاب العنيف والمتطرف.)
واستشهد في هذا المجال ، بوصف العالم لحكومة الإسلاميين التي تسلّمت السلطة عام 1989 ، بأنها حكومة ( إرهابية تشكل ملاذاً آمناً للإرهابيين وداعمة لهم.) واضاف ( هذا التصنيف لم يات من فراغ ، وإنما جاء نتيحه السلوكيات والأفعال التي ارتبطت بسلوك تلك الحكومة ، حيث وَثّقت لاحقاً ارتباطات رسمية لها ، بتسهيل ، أو تأييد ، نشاطات متطرفة ، حيث تم بالفعل اثبات أن الحكومة السودانية كانت تقف خلفها.)

شواهد تاريخية على الارهاب :
وحول هوية الجماعات التي تمارس الإرهاب الذي أخذ أشكالا متعددة بعد حرب 15 ابريل 2023، اشار اللواء عصام هنا ، الى جماعات الإسلام السياسي المتطرف ، التي قال بانها تنشط في السودان بصورة كبيرة جدا ، حيث قامت هذه الجماعات باستقطاب الشباب بمسميات مختلفة ، للانخراط في هذه المحرقة .
واكد ان هدف جماعات الاسلام السياسي من وراء ذلك كله ( ليس لإقامة دولة الإسلام والاسلام منهم براء ، او دولة السودان المدنية ، وانما هدفهم الاساسي هو العودة للسلطة مرة اخري بعد ما اطاح بهم الشعب السوداني بثورة ديسمبر المجيدة )
وشدد على أن الفكر الضال أو المنحرف دائماً ما يقود لأفعال إرهابية (فنتيجة لصراع الأيدولوجيات بين الإسلامويين انفسعم حيث وقعت أحداث عنيفة في السودان راح ضحيتها قتلي وجرحي .) وأشار في هذا الخصوص إلى نماذج تاريخية وممارسات تُظهر العلاقة بين الدولة وأنشطة الجماعات المتطرفة في السودان ،
حوادث ارهابية داخلية متعددة:
واستعرض د . عصام في المقابلة مع (راديو دبنقا)، عددا من الحوادث والنماذج بدءا ( بحادثة استهداف مسجد أنصار السنة المحمدية بامدرمان عام (1994) التي أودت بحياة نحو 20 شخصا ً، تبعها تورط نظام حكم البشير الإسلامي في محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس المصري محمد حسني مبارك في 1995 ، تلتها أحداث مسجد الجرافة في العام (2000) خلفت 25 قتيلاً وأكثر من 20 جريحا، ثم خلية السلمة 2007 ،ثم اغتيال الدبلوماسي الأمريكي جون جرانفيلد في الخرطوم (2008). هذا الى جانب حادثتي تفجيرات خلية الدندر، وحي جبرة جنوب الخرطوم في 28 سبتمبر 2021 ، وخلية الحاج يوسف، بالإضافة الي نشاطات في صفوف طلاب الجامعات، وجود عناصر مرتبطة ببُوكو حرام في دارفور، خلية تنظيم القاعدة، ونشاطات لشباب سودانيين التحقوا بتنظيمات في الخارج. واكد اللواء عضام أن جميع هذه النماذج تُظهر أن هذه التنظيمات لم تلجأ إلى الفكر أو الحوار، بل إلى العنف كأسلوب لتحقيق أهدافها.

الحرب الحالية كوقود للتطرف والارهاب :
وعبر اللواء “م” د. عصام عباس عن اعتقاده بأن هذه الحرب الحالية لها وقود ، تتمثل في التحفيز المجتمعي للاصطفاف إلى جانب الحرب، واضاف : ( هناك اصطفاف اليوم ، أحدهما إلى جانب الجيش لحسم الدعم السريع ، و اخر مع الدعم السريع لأجل الانتصار والاستيلاء على السلطة في الخرطوم. )
واكد ان طرفي الحرب ، اتخذا مجموعة من الوسائل التحفيزية ( اللا اخلاقية ) ، لاستقطاب الشباب ، للاستمرار في الحرب.
واوضح ان هذه الوسائل تعتمد علي خطاب ديني تعبوي من جهة، وخطاب عرقي-جهوي-إثني من جهة أخرى.
الاسلامويون والمقاتلون الاجانب
وأكد اللواء عصام وجود توظيف لعناصر أجنبية ضمن عمليات الاصطفاف والتحشيد في الحرب الجارية اليوم ، حيث استعان الدعم السريع والجيش السوداني بمقاتلين أجانب في الحرب .
واوضح ان اصطفاف الجماعات الإسلامية إلى جانب الجيش السوداني في هذه الحرب (ليس حباُ في الجيش، ولكن فقط لاستعادة أنظمتها وعودتهم للسلطة وخكم السودان مرة اخري . ) واضاف (إذا رجعنا للتاريخ نجد أن هذه الجماعات الإسلامية لم تكن تثق في الجيش السوداني ) وتابع شارحا (رأينا عند استلام الإسلاميين والحركة الإسلامية للسلطة، أنشأوا جيوشاً موازية خوفاً من الجيش السوداني ، وأول خطوة أنشأوا قوات الدفاع الشعبي كقوة موازية وفشلت ثم أنشأوا قوات حرس الحدود ثم فشلت ، فأنشأوا بعدها قوات الدعم السريع ) – الطرف الثاني في الحرب الجارية اليوم .
و بناء على ذلك أكد اللواء عصام أن الجماعة الإسلامية، ( تاريخياً هي لاتثق في الجيش السوداني وتتوقعه في أي لحظة ينقلب عليها لذلك إصطفافهم إلى جانبه مرحلي ومصلحي. )

عوامل محلية لتنامي الإرهاب:
وأوضح مستشار تنقية المعلومات وتحليل البيانات اللواء د. عصام عباس، في المقابلة مع دبنقا ، أن السودان يواجه اليوم ، عدة عوامل محلية وإقليمية ودولية ، محفزة لتنامي ظاهرة الإرهاب .
وأوضح ان العامل الأول ، (محلي )يتمثل في: ضعف مؤسسات الأمن، التي قال بأنها (حتى قبل اندلاع الحرب لم تكن تمتلك القدرات الكافية لفرض السيطرة ، ومنع انتشار الإرهاب، مشيراً إلى أن هذه الثغرة الأمنية، ساهمت اليوم ، في جعل السودان عرضة ، لذات التهديدات التي أرهقت العالم في سوريا والعراق وأوروبا.)
وأوضح إنّ العامل الثاني يتمثل في انتشار السلاح والاتجار غير المشروع به، (وهو ما جعل البيئة أكثر خصوبة لنمو الحركات المتطرفة) بينما يتمثل العامل الثالث في الخطاب التعبوي المتطرف المساند للإرهاب . وأوضح ان هذا الخطاب شرعن للعنف من خلال خطب دينية جارية تحرض الشباب على الانخراط في أعمال إرهابية.
واضاف ان العامل الرابع يثمثل في الاختلالات الاقتصادية والخدمية والاجتماعية التي يعيشها السودان، بما في ذلك الفوارق الواسعة بين المواطنين، الامر الذي ادي لدخول بعض السودانيين في صفوف التنظيمات المتطرفة.
وأشار الدكتور عصام في هذا الخصوص إلى أن السودان نفسه ( كان في فترة من الفترات مصدَّراً للإرهابيين، حيث شهدت البلاد عودة مقاتلين من تنظيم “داعش” في الشام، بالإضافة إلى تهريب سودانيين للانضمام إلى حركة الشباب الصومالي.)
الهوية والوثائق والحدود المفتوحة ثغرة خطرة
واكد الدكتور عصام ان العامل الخامس يثمثل في الخلل والضعف في أنظمة الهوية والوثائق ما ساعد في تمدد الإرهاب، مشيراً إلى أن السودان، كدولة ذات حدود متداخلة ووجود إثنيات مشتركة مع دول الجوار
وأكد أن النظام السابق افرط في منح الجنسية السودانية لأجانب من مناطق مضطربة دينياً وسياسياً سواء كانت في سوريا والعراق واليمن .
وقال إن “الرئيس المخلوع” عمر البشير ، منح الجنسية لآلاف الأجانب، بينهم مطلوبين دولياً. وتابع قائلا: “يحمد لحكومة الثورة الانتقالية برئاسة د. عبد الله حمدوك، ووزير الداخلية حينها عز الدين الشيخ، اتخذت خطوات لمعالجة هذه الفوضى عبر حصر ومراجعة تلك الأرقام الوطنية، التي تجاوزت 16 ألف حالة تجنيس”، وأوضح أن هذا الإجراء يعكس حجم التجاوز والتهاون السيادي في ملف الهوية السودانية.
عوامل عابرة للحدود وضعف التنسيق الأمني والاستخباراتي الإقليمي
أشار اللواء د. عصام عباس في المقابلة مع “راديو دبنقا” إلى أن هنالك عدة عوامل عابرة للحدود ساهمت في تنامي وانتشار ظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف، من بينها سهولة الحركة عبر حدود السودان التي تمتد لأكثر من 6,500 كيلومتر، ومع دول متأثرة بعدم الاستقرار.
وأكد على أن ضعف التنسيق الأمني والاستخباراتي الإقليمي وضعف السيطرة والتحكم لعدم وجود أنظمة سيطرة تقنية وقانونية لدى جميع دول الإقليم ما يجعل حركة الإرهابيين وتبادل الأسلحة عملية ميسرة وسهلة. مشيراً إلى أن هنالك مناطق حدودية محددة تُستخدم كطرق ومسارات لانتقال عناصر متطرفة إلى وخارج السودان ساعدت في تنامي الارهاب وانتشاره بصورة مزعجة جداً في منطقة افريقيا جنوب الصحراء وكذلك في منطقة السودان والدول المحيطة.
ومع ذلك اكد اللواء د. عصام أن السودان ( لم يتحول حتى الان الى بؤرة للارهاب والتطرف العنيف لكن اذا لم تتوقف هذه الحرب سيصبح السودان أكبر بؤرة للارهاب والتطرف العنيف.)

مناطق جغرافية معابر لمقاتلين:
وحدد الخبيرالامني اللواء عصام عباس عدد من المناطق الجغرافية التي ساهمت في تسرب تلك الجماعات الإرهابية وقال: ( بالنسبة للحدود الشرقية للسودان ، نجدها مضطربة ، ليس فقط ، بسبب حرب أبريل 2023، لكنها قديمة تعود للنزاع بين السودان وإثيوبيا حول منطقة الفشقة) . وأوضح أن تلك المنطقة – الفشقة – ذات هشاشة أمنية جعلت منها طريقا وحيدا لتصدير الارهابيين الى تنظيم الشباب في القرن الافريقي.
وأوضح أن المنطقة الغربية للسودان – دارفور وكردفان – تنشط فيها تنظيمات إرهابية مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وجماعات بوكو حرام، حيث تتحرك تلك الجماعات عبر الحدود المفتوحة على الشريط الحدودي الرابط بين تشاد والسودان وإفريقيا الوسطى.
وقال أن الحدود مع دولة جنوب السودان على الرغم من أنها لم تشهد نشاطاً أيديولوجياً للجماعات المتطرفة ، إلا أنها تعاني من هشاشة أمنية ( قد تتحول إلى معبر لتجارة السلاح.)
وحول وسط السودان ،اوضح أن مناطق وسط وشمال السودان والخرطوم ينشط فيها الارهاب والتطرف، مشيرا لوقوع حوادث كثيرة في تلك المناطق . واضاف قائلا ( هذا كله يرسم صورة حول وضع الإرهاب ومستقبله في منطقة السودان سواء على حدوده الشرقية والغربية والجنوبية أو على مستوى وسط السودان.)
جرائم الحرب والنشاط الآيديولجي:
ونوه الخبير في تقنية المعلومات وتحليل البيانات اللواء شرطة “م” د. عصام عباس إلى أهمية التمييز بين جرائم الحرب التي ترتكب حالياً من طرفي الحرب مثل ( القتل على أساس الهوية، التعذيب، التمثيل بالجثث، بترالأعضاء، حرق الأسرى، استهداف المدنيين ودور العبادة والاعيان المدنية.)
واكد ان كل هذه الجرائم تصنف ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية ، يطالها القانون الدولي ، ومحكمة الجنايات الدولية .
وأكد أن ما يعنيه بالجماعات الإرهابية والتطرف العنيف الذي يتحدث عنه ويحذر منه العالم ، هو ذلك ( الإرهاب القائم على المبادئ الآيديولوجية والمرتبط بالأفكار الدينية والإسلاموية المتطرفة كإرهاب تنظيمات داعش، القاعدة. ذلك الارهاب الذي لا يؤمن بحدود الدولة السودانية بل يشكل تهديداً للسودان ولمحيطه وللاقليم بصورة عامة.)
وحذر عصام من مثل هذا الإرهاب ، الذي قال بانه ، ربما يكون مهددا للعالم (مثل الذي حدث في افغانستان و سوريا و العراق حيث لم تتأثر به تلك الدول فقط وانما تأثيره امتد ليشمل كل العالم واصبحت خلاياه منتشرة في كل الدول في اوروبا وفي امريكا وفي افريقيا وفي غيرها.) وحذر من أن السودان (حال لم تنتهي هذه الحرب يمكن أن يصبح واحداً من اكبر مصادر تفريخ هذا النوع من الارهاب المزعج جدا دوليا.)

خطوات لوقف الحرب:
وحول ما يمكن فعله الآن لوقف هذه الحرب نبه اللواء عصام عباس في المقابلة مع “راديو دبنقا” إلى ضرورة الاقرار اولا : بان هذه الحرب لها جذور ، وليست حرب صنعت صدفة.وأضاف : (لابد من الإقرار بأن هذه الحرب لها جذور ضاربة في القدم و متعلقة بالتنمية والهوية وبالإجابة على سؤال حول كيف يحكم السودان ، وليس من يحكم السودان.) ودعا في هذا الخصوص الى ، الاقرار ايضا ، بأن هذه الحرب ، لا يتأثر بها السودان منفرداً وانما يتأثر بها الاقليم ، بالتالي كما يقول الدكتور عصام (طريقة التعاطي معها تتطلب ايجاد حل لهذه المأساة ، بفيادة سودانية ، باتساق ، وتنسيق وتعاون ، مع المجتمع الاقليمي.) ودعا في مقابلة مع “راديو دبنقا” إلى ما سماه( بتعظيم سردية السلام والاصطفاف إلى جانبها من خلال بناء جبهة مدنية كبرى لوقف الحرب، في مواجهة سردية الجيش التي تروج لحرب الكرامة وسردية الدعم السريع والتي تروج للعدالة ونصرة الهامش.) وأضاف: ( طالما هناك كتلة تصطف الى جانب طرفي الحرب ، يجب ان نجتهد في تنمية الكتلة التي ترفض طرفي الحرب … وأشير هنا إلى مبادرة سلام السودان التي دعا لها الدكتور فرانسيس دينق وهي مبادرة صادقة لتنمية وزيادة كتلة ، لا للحرب ، الحقيقية والمتمسكة بالسلام. )
بيان الرباعية وحل النزاع:
وطالب الدكتور عصام المجتمع الإقليمي والدولي للانتباه لما يجري في السودان والاهتمام والتنسيق مع الحل السوداني بقيادة سودانية، لأن أثر الحرب كما قال ( لا يقتصر على السودان وحده ، بل يمتد إلى الإقليم.)
وأشاد عصام في هذا الخصوص ببيان “الآلية الرباعية” الذي دعا لوقف الحرب ، وإنهاء جذورها ، وإعادة السودان لمساره المدني الديمقراطي عبر عملية انتقالية تتحول إلى عملية سياسية مستديمة تنهي مآساة السودانيين، معتبراً أن البيان يعد واحداً من أهم الأنشطة الإقليمية والدولية الأخيرة والهادفة لإنهاء الأزمة.
وقف الحرب ومستقبل السودان:
ودعا اللواء عصام عباس لتوجيه كل الجهود في هذه المرحلة على إيقاف الحرب . وأوضح أن وقف الحرب لا يعني بالضرورة إنهاء الصراع فوراً، بل هو خطوة أولى في مسار طويل يتطلب إجراءات عديدة. واعتبر أن تلك الإجراءات يجب أن تبدأ بعمليات إنسانية عاجلة لمعالجة الأوضاع الصحية والطبية والغذائية المتدهورة، ثم الانتقال إلى بناء سلطة انتقالية متماسكة وقوية تمتلك أهدافاً واضحة، وتسعى في الوقت نفسه إلى إعادة بناء المجتمع السوداني.
غير أنه نوه إلى أن عملية ترميم المجتمع ليست سهلة، بل هي عملية معقدة تشمل العدالة الانتقالية، والتنمية المتوازنة، وإرساء الفيدرالية غير المتماثلة، وإزالة المظالم، ومعالجة جذور الصراع سواء كانت متصلة بالسلطة أو الهوية أو التنمية الاجتماعية.
واكد أن أي وقف لإطلاق النار ( دون معالجة جذور الأزمة التي تسببت في اشعال الحرب، سيؤدي فقط إلى إرجاء الصراع فترة من الزمن، قبل أن يتجدد مرة أخرى. ) مشدداً على أن السودان بحاجة اليوم قبل الغد ، إلى مشروع متكامل لإنهاء الصراع بصورة نهائية، يبدأ بوقف الحرب وينتهي بسلام دائم وشامل .
