هل تنفجر أزمة إثيوبيا بوجه السودان؟

على الرغم مما يعانيه السودان بعد أن عزل قائد الجيش الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك وفرض حالة الطوارئ وتدهور الأوضاع الاقتصادية فإن أزمة أخرى تدق أبواب البلاد بعنف على حدوده الشرقية.

 

بقلم / عبد المنعم أبو إدريس

 

على الرغم مما يعانيه السودان بعد أن عزل قائد الجيش الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك وفرض حالة الطوارئ وتدهور الأوضاع الاقتصادية فإن أزمة أخرى تدق أبواب البلاد بعنف على حدوده الشرقية.

وصحيح أن صدى هذه الأزمة يُسمع منذ عام تقريبا -خصوصا بعد عبور أكثر من 80 ألف إثيوبي إلى السودان هربا من الاقتتال في إقليمي تيغراي والأمهرة الإثيوبيين المتاخمين لحدوده الشرقية- لكن تطورات الوضع الميداني الجديد بعد استيلاء "جبهة تحرير شعب تيغراي" على مدن وبلدات في الأمهرة، وتقدمها مع حلفائها نحو العاصمة الإثيوبية أديس أبابا تثير قلق السودان من انعكاسات هذا النزاع على أمنه واستقراره وعلى الوضع الإنساني فيه.

 

اضطرابات على امتداد الحدود 

 

وتمتد الحدود بين البلدين على مسافة 800 كيلومتر، من مثلث الحدود السودانية الإثيوبية الإريترية إلى مثلث مشابه بين السودان وجنوب السودان وإثيوبيا.

وعلى هذا الامتداد يعيش إقليم تيغراي المضطرب منذ عام على الأقل، والأمهرة الذي اشتدت به المعارك منذ أكتوبر الماضي.

وهناك أيضا إقليم بني شنقول (القمز) الذي وقع الحزب المنتمي له على تحالف مع مجموعات مناوئة لحكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي يهدف التحالف للإطاحة بحكومته وتقديم مسؤوليها للمساءلة القانونية.

ويعادل سكان الإقاليم الثلاثة نحو سكان السودان مجتمعين، فالتيغراي 7 ملايين، والأمهرة 28 مليونا، وبني شنقول 4 ملايين، مقابل حوالي 40 مليونا يمثلون عدد سكان جمهورية السودان مجتمعين.

وعلى الجانب السوداني نجد ولايات كسلا والقضارف وسنار والنيل الأزرق، وجميعها لديها حدود مع الأقاليم الإثيوبية المتقاتلة.

وهذه الحدود عبارة عن أراضٍ مسطحة ليس فيها حواجز جغرافية تحد من تحركات طالبي اللجوء.

 

أزمات سابقة

 

وقبل تطور الأزمة في الداخل الإثيوبي فإن مناطق حدودية مع السودان شهدت اضطرابات كالفشقة التي تطل منها ولاية القضارف السودانية على إقليمي التيغراي والأمهرة الإثيوبيين.

وظل الإثيوبيون منذ عام 1995 وحتى نوفمبر 2020 يزرعون أرض الفشقة حتى طردهم الجيش السوداني، وتحولت إلى منطقة اشتباكات متقطعة بين مليشيات تتبع للأمهرة والقوات السودانية، وأدى ذلك لتوتر العلاقة بين البلدين.

وكذلك ولاية النيل الأزرق السودانية التي ضمت الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة (عبد العزيز الحلو) التي لم توقع اتفاق سلام حتى الآن مع الحكومة الانتقالية.

ويتعقد المشهد أيضا مع وجود قبيلتي بني شنقول والقمز المقسومتين بين السودان وإثيوبيا.

 

موجات لجوء

مع اشتداد القتال في إقليم الأمهرة ستجبر مجموعات جديدة من السكان على البحث عن مناطق آمنة، وليس أمامها سوى الأراضي السودانية.

وبدأت موجات اللجوء من هذا الإقليم فعلا في أغسطس الماضي عندما هاجمت قوات من الأمهرة قرى قبائل الكيمنت (شمال مدينة قوندر الإثيوبية)، وعلى إثر ذلك فر 5 آلاف من هذه القبائل -أغلبهم نساء وأطفال- إلى ولاية القضارف السودانية.

وامتلأت معسكرات اللجوء في القضارف، فيما تبحث السلطات السودانية إقامة معسكرات أخرى، سواء في ولاية الجزيرة غربا أو في كسلا شرقا.

وتتأهب معتمدية اللاجئين السودانية لهذه التدفقات بإنشاء مراكز استقبال على الحدود مع إقليم الأمهرة.

 

أوضاع إنسانية

 

وفي ظل تدهور الوضع الأمني أعلنت الأمم المتحدة أنها باتت تقدم المساعدات الغذائية لنحو 20 مليون إثيوبي، منهم 7 ملايين متأثرون بالحرب مباشرة.

وتتزايد هذه الحاجة أيضا بعد أن فقد إقليم الأمهرة هذا العام حوالي 400 ألف فدان في منطقة الفشقة التي استعادها الجيش السوداني والتي كانت تزرع بمحاصيل غذائية.

وتؤكد تقارير المنظمات الإنسانية العاملة في إثيوبيا أن المزارعين في إقليمي تيغراي وأمهرة لم يزرعوا محاصيلهم الموسمية في موسم الأمطار الذي انتهى في أكتوبر الماضي.

جرائم عابرة للحدود

وفي ظل الحالة المضطربة تنشط مجموعات إجرامية في المنطقة الحدودية مستغلة الظروف لتنظيم عمليات تهريب للبشر والاتجار بهم، ولا سيما أن العبور إلى السودان يتم إلى مناطق نائية لا تسيطر عليها الحكومة ويقل الانتشار الأمني فيها لاتساعها وضعف إمكانيات الحركة والاتصال.

وعلى مدى عقود كانت الحدود بين البلدين مرتعا لتهريب السلاح، ومنذ بداية العام الحالي أعلنت السلطات السودانية عن حوالي 7 ضبطيات لأسلحة وذخائر مهربة عبر الحدود.

كما أعلن إقليم الأمهرة خلال الأشهر العشرة الماضية عن 10 ضبطيات لذخائر وأسلحة مهربة، بمعدل واحدة كل شهر، وسط توقعات بارتفاع عمليات التهريب، خصوصا مع وجود مجموعات على طرفي الحدود تزود المتقاتلين بالسلاح، كما يسعى طالبو اللجوء للتخلص من أسلحتهم.

 

سد النهضة

 

ولا تزال أزمة سد النهضة -الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق على بعد حوالي 15 كيلومترا من حدودها مع السودان- من أبرز الملفات المتأزمة بين البلدين.

ورغم المفاوضات التي تُجرى بين الدولتين ومعهما مصر فإن الدول الثلاث لم تتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد، وهو ما يهدد سلامة سدود السودان، والتي يقع أكبرها على بعد 100 كيلومتر من سد النهضة، كما يثير قلق السودان حول رفد مشاريعه التي تعتمد على مياه النيل الأزرق.

وسبق لإثيوبيا أن قامت بعمليتي ملء دون اتفاق مع السودان خلال موسمي أمطار 2020 و2021، مما تسبب في أضرار له.

وفي حال استمرت اضطرابات إثيوبيا فإنها ستصعب التوصل إلى اتفاق حتى موعد الملء الثالث للسد في يونيو 2022.

ومن المؤكد أن السودان سيدفع ثمنا غاليا أمنيا وإنسانيا جراء تفاقم الأوضاع في جارته، بل إنه سيكون أكبر المتضررين خارج أراضيها.