محمد بدوي: الدكتور ابراهيم غندور:” أو نموذج الدبلوماسيين الحزبيين!

رغم تسارع وتيرة المعاناة المرتبطة بندرة بعض السلع المدفوعة القيمة من قبل المواطن مثل” الوقود” الإ أن خبر إقالة وزير الخارجية السوداني …

الدكتور ابراهيم غندور(ارشيف)

بقلم : محمد بدوي

(1)
 

رغم تسارع وتيرة المعاناة المرتبطة بندرة  بعض السلع المدفوعة القيمة من قبل المواطن مثل" الوقود" الإ أن خبر إقالة وزير الخارجية السوداني الدكتور إبراهيم غندور في 19 ابريل  2018 تصدر أخبار الصحف والوسائط الإجتماعية، الذي جاءت إقالته  بعد مخاطبته للبرلمان السوداني  18 ابريل 2018م حاثاً  التدخل في " الأزمة التي تواجهها وزارة الخارجية السودانية والمتمثلة في عجزها الوفاء بإلتزاماتها  المالية كسداد رواتب العاملين بالإضافة إلي مقابل الإيجار  لبعض دور ومقار السفارات السودانية لمدة فاقت النصف عام، قبل الخوض في تفاصيل المقال في تقديري إن ما تجدر الإشارة إليه أن تصريح غندور مر دون التوقف (عند أي من نقاط الرقابة ) التي ظلت تلاحق حرية التعبير من قبل سلطات الدولة و التي أبرزها  منع توزيع  النسخ المطبوعة من الصحف الورقية كإحدي الأشكال التي تُمثل النمط الأبرز في نهج الرقابة دون إغفالٍ للأشكال الأخري حيث بالضرورة أن  رئيس المنصة علي علم مسبق بالمحور الذي يود التطرق اليه أضف إلي ذلك سيناريوهات قطع البث كشكل من أشكال الرقابة، في تقديري أن الأمر يُثير تساؤلاً  حول علاقة تصريح غندور بصراعات الحزب الحاكم المتمحورة في  " جدل ترشيح الرئيس البشير لإنتخابات الرئاسة لعام 2020".
(2)

بالرجوع الي ما أدلي به غندور  أمام البرلمان من حيث المحتوي، فلا يكاد الأمر يخلو من تكتيك تُؤكده المقدمة  التبريرية، فلقد إبتدر حديثه بتشخيص  " الوضع بالخطورة "  كتوصيف لنتاج الأزمة المالية، بل مضي لإسناد الأمر  بإفادات من بعض المعنيين بالأمر بطلب العودة إلي السودان، هنا يثور سؤال أولي هل يحظي العاملون بالخارجية السودانية المتواجدون بالخرطوم بإستحقاقاتهم أم يشملهم ذات الوضع؟  في تصريح سابق لغندور في 29 نوفمبر 2017م في جلسة مغلقة أمام البرلمان لخص الأزمة بضعف في ميزانية وزارة الخارجية، ثم ذهب إلي أن نتاج ذلك ينعكس على  الإلتزام بسداد مرتبات الدبلوماسيين بجانب إشكالات تتصل بصيانة مباني الخارجية، إذن تصريح غندور الأخير أشار إلي جزء من ما دفع به سابقا، بالنظر إلي سجلات الموازنة السنوية للدولة ظل غندور علي علم بأن الأمر لم يقتصر علي الخارجية فقط، فعلي سبيل المثال وزارة التربية و التعليم أيضاً  يُعاني منسوبيها  وخاصة المعلمين من تأخر صرف رواتبهم  الشهرية لفترات ماثلت ما أشار اليه، السبب وراء ذلك ظل غندور كقيادي بالحزب الحاكم علي علم تام به هو تغليب الصرف الأمني علي ما عداه من بنود مرتبطة بتقديم الخدمات
(3)

خلل بنود الميزانية العامة ظل سمه يشهد عليها غندور بوصفه الحزبي قبل توليه وزارة الخارجية في 2015م، حيث تجدر الإشارة إلي تصريح لقيادي آخر بالحزب الحاكم هو مهدي إبراهيم في 2012 في 15 فبراير 2012 و أمام البرلمان أيضاً  قائلاً " وضع سفاراتنا في منطقة شرق أفريقيا بالمحزن بسبب ضعف إمكانياتها البشرية والمادية، ورسم صورة بائسة لأوضاع دبلوماسيينا الذين يضطر بعضهم – على حد قوله – لترك عائلاتهم بالسودان حتى يتمكنوا من مواجهة متطلبات الحياة الكريمة. واعتقادنا أن ما ورد أعلاه ينطبق دون أدنى شك على سفاراتنا في جميع أنحاء القارة".
(4)

تصريح  غندور الذي سبق إقالته جاء حمّال أوجه بإشارته إلي  جهود رئيس الجمهورية و النائب الأول والوزير برئاسة الوزراء  في حل الأمر، لكنه في ذات الوقت أكد أن هنالك ضعف في سلطات من إشار إليهم أو بصيغة أخري هشاشة المجموعة الحاكمة أو السلطة بشكل عام، إلقاؤه باللائمة علي بنك السودان جاء كإختيار لاضعف الحلقات علي  طريقة الهبوط الناعم
(5)

دون محاكمة للنوايا، فإن تصريح غندور  في تقديري تم الإعداد له ليتم علي منهج إتباع أقصر الطرق "Short Cut” ، فالحصافة تقتضي البدء باستعراض مساهمة وزارة الخارجية المفروضة عليها بحكم تفويضها في الموازنة العامة، فإن لم تكن جميع السفارات فإن أغلبها بها أقسام إقتصادية ونوافذ إستثمارية  تفترض عليها القيام بعمل جدي وفقاً لتفويضها مقابل ما تناله من أجر "مرتبات " بل دعك من ذلك فأبسط مثال تُمثل الأقسام الثقافية بالسفارات وسائط للترويج للسياحة و توفير فرص ومنح تعليمية و التي تُشكل إضافة مادية و تأهيل بشري تصنف تحت البند الإيجابي في مساهمتها التهأهيلية للكادر البشري الذي يُشكل جزء من بنود الموازنة  العامة للدولة وإن لم تتم صياغة هذه المساهمة في صورة أرقام حسابية
(6)

بتتبع إدارة غندور لوزارة الخارجية منذ العام 2015م، فقد شهدت التحول إلي معسكر التحالف العربي وقطع العلاقات مع إيران، في رد فعل أظهر للعالم معاناة حركة الرئيس البشير بعد قرار المحكمة الجنائية لم يتمالك غندور نفسه لتنقل وسائل الإعلام محاولاته في "إخفاء" دموعه بعد هبوط طائرة البشير بمدرج مطار الخرطوم، ذهبت  أدراج الريح تصريحاته التي أطلقها من واشنطن  بضرورة إقالة والي جنوب دارفور بعد أن فشل الرئيس البشير في الدخول إلي معسكر كلمة للنازحين بولاية جنوب دارفور في أكتوبر 2017م لأنها مثلت تدخلا في ما لا يتصل بتفويضه، بل الأدهي تعامل وزارة الخارجية برفض طلب التحقيق في الأحداث التي نتج عنها مقتل ( 4 ) وجرح (  29) من النازحين ليجافي الحصافة مرتين في حادثة واحدة، لم يجد غندور من إجابة لاسئلة الصحفيين حول تمديد رفع العقوبات الأمريكية لثلاث أشهر في يوليو 2017م سوي ترديد مداخلةٍ لوزير الإستثمار مبارك الفاضل في إجتماع مجلس الوزراء الذي دعي فيه للتفاؤل بالقرار ، فدون أن يدري جعل من مبارك الفاضل الغائب عن المؤتمر الصحفي " لسان حاله " و مرجعية له في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ العمل الدبلوماسي .
(7)

بتتبع سجل اداء غندور و الخارجية، فقد ظل موجهاً لخدمة الحزب الحاكم وعلي وجه الدقة خدمة الجناح الذي يقف علي رأسه الرئيس البشير ، في تقديري إن ما دفع به غندور أمام البرلمان، و الذي جاء بعد التغييرات التي حدثت في الحزب الحاكم بعودة صلاح قوش مديراً مرة تانية لجهاز الأمن والمخابرات، قد غير من خارطة الأدوار فأصبح هنالك من يُسيطر علي زمام الأمور بل إحتل مرتبة الرهان بحمل الرئيس البشير إلي انتخابات الرئاسة 2020م، ليقف غندور أمام البرلمان الذي إختاره مسرحاً حضوره لا حول لهم ولا قوة،  لينتهي العرض بالإقالة التي في تقديري سعي لها غندور لإدراكه بأن نطاق الأزمة تكاملت إحداثياتها داخليا و خارجياً  و أنه ليس بمقدور العطار إصلاح ما أفسده الدهر .