ما حقيقة استهداف ابناء دارفور في نهر النيل والشمالية..؟؟

خريطة الولاية الشمالية - خرائط قوقل

كمبالا: 22 يناير2024: راديو دبنقا
تقرير: عبد المنعم مادبو
تعالت اصوات الاستغاثة من ابناء اقليم دارفور وأسرهم منذ الأيام الأخيرة لشهر ديسمبر المنصرم جراء استهدافهم من قبل السلطات الأمنية بولايتي نهر النيل والشمالية شباب الاقليم في اعقاب استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، واتهامهم بأنهم خلايا نائمة تابعة لقوات الدعم السريع التي تخوض حرباً ضد القوات المسلحة السودانية منذ أبريل 2023.


مناوي يتدخل


ازاء تلك المزاعم أصدر حاكم اقليم دارفور مني اركو مناوي قراراً بتشكيل لجنة قانونية اجتماعية وارسلها للولايتين للوقوف على حقيقة تلك المزاعم، اللجنة الرباعية التي تضم كل من “يحي حسن نيل، هرون يعقوب نهار، يحي ادريس النور، والفاضل ادم كايا” ينتمي جميع اعضائها لحركتي تحرير السودان بقيادة مناوي وحركة تحرير السوداني المجلس الانتقالي.
وكلف قرار حاكم الاقليم تلك اللجنة بمقابلة السلطات الحكومية والعدلية والشرطية والاجهزة الامنية لتسهيل اطلاق سراح ابناء دارفور الموقوفين في السجون والحراسات، اضافة إلى مقابلة الادارات الاهلية واللجان المجتمعية لحل القضايا وتبسيط الاجراءات في اي جرائم تتعلق بالعادات والتقاليد والاعراف المحلية.
أنطلق القرار من فرضية وجود موقوفون من ابناء دارفور في ولايتي نهر النيل والشمالية، وكلف اللجنة بتسهيل اجراءات اطلاق سراحهم بعد الجلوس مع السلطات في الولايتين، لكن بحسب مراقبين فإن اللجنة انحرفت عن مهامها إلى قضايا أخرى حيث ذهبت في اتجاه دعم التحشيد الجاري للمقاومة الشعبية، واعلنت انها لم تجد احداً من ابناء دارفور معتقلاً في الولايتين.


اعتقال أبناء درفور ..محض شائعات؟


وقال رئيس اللجنة يحي حسن نيل ان ما تم تداوله بشأن انتهاكات ارتكبت ضد ابناء دارفور هي اشاعات اطلقها داعمو قوات الدعم السريع بغرض تقسيم البلاد، وأضاف لدى مخاطبته الاسبوع الماضي مواطني منطقة “العبيدية” بالولاية الشمالية انهم جاءوا إلى الولايتين بعد ان حاول داعمو التمرد خلق فتنة من خلال زعمهم بأن ابناء دارفور الموجودين في نهر النيل والشمالية والذين يعملون في مناجم الذهب في الولايتين مستهدفون من قبل الاجهزة الامنية وانهم الآن في المعتقلات والسجون، واستبق رئيس اللجنة نتيجة تقصيهم بقوله “ان كل ما يشاع غير صحيح ولا يمكن ان يحدث ذلك في الشمالية ونهر النيل، واتبع تصريحاته بمؤتمر صحفي في الولاية الشمالية، أكد فيه إن اللجنة لم تجد أي مجموعة أو فرد من الإقليم الغربي معتقلاً من قبل السلطات في الولايتين.
وذكر نيل- في مؤتمر صحفي عقب لقائه والي الشمالية عابدين عوض الله محمد- ان اللجنة جلست مع السلطات في الولايتين وتفاكرت معهم حول مزاعم الانتهاكات ضد ابناء دارفور في الولايتين والتي وصفها بأنها افتراء. واضاف “تجولنا في عدة محليات ولم نجد أحداً من أبناء الإقليم في السجون، وانهم في مناطق التعدين والطرقات وفي الأسواق والمدن عزيزين مكرمين”
بينما وصف قائد الفرقة الثالثة مشاه شندي اللواء حمدان داؤود في حديثه لراديو دبنقا الاتهامات الموجهة للأجهزة الامنية باستهداف ابناء دارفور بأنها اتهامات باطلة ولا اساس لها من الصحة، وقال قائد الفرقة ان ابناء دارفور يتمتعون بكل حقوقهم في المواطنة ويمارسون حياتهم بحرية كاملة، وأضاف: ابناء دارفور هم جزء من مجتمع الولاية وموجودين في المؤسسات العسكرية والعدلية بالولاية. وتابع ” يجب الا يذهب الشعب وراء هذه الاشاعة المغرضة التي لن تستطيع ان تفت العضد واللحمة الوطنية”


الشرطة تؤكد الاعتقالات


لكن قوات الشرطة السودانية نشرت بياناً في 19 ديسمبر الماضي اكدت فيه ان الاجهزة الامنية بنهر النيل تمكنت من القبض على عشرات الشباب من ابناء دارفور من عدة مواقع بمدينة “عطبرة” بتهمة انهم خلايا نائمة تابعة لقوات الدعم السريع، ونشرت صوراً للشباب في صفحة المكتب الصحفي للشرطة السودانية بعد ان وقف عليها والي نهر النيل محمد البدوي ومدير شرطة الولاية اللواء عبد الفتاح عثمان، وقالت الشرطة ان العملية تمت بعد مداهمة عدة مواقع بالمدينة تنفيذاً لقرارات لجنة أمن الولاية.
راديو دبنقا في اطار بحثه عن ضحايا للانتهاكات ضد ابناء غرب السودان في الولايتين تحدث مع عدد من الناجين الذين أكدوا انهم تعرضوا لانتهاكات واسعة بدءً من الاعتقالات وحبس في السجون والتعذيب بعدة أيام بتهمة انهم خلايا نائمة، وعثر كذلك على رسائل صوتية لناجين ويتحدث فيها احدهم مع أسرته بعد الافراج عنه طالباً منهم عدم ارسال أي رسائل إليه في هاتفه، وقال الشاب- الذي لا زال يقيم في قرية بإحدى الولايتين- انهم مراقبون من قبل الاستخبارات وان استقبال اي رسالة يمكن ان يتسبب في اعتقاله مرة اخرى.
فيما كشف شاب أخر- من ابناء مدينة برام بجنوب دارفور يعمل في التنقيب عن الذهب- عن مداهمات تقوم بها الاستخبارات لمناطق التعدين بنهر النيل تستهدف القبائل العربية في المناجم، وذكر في رسالة صوتية لأحد اقربائه يدعى “حامد” ان هناك مجموعة من ابناء محلية برام ذهبوا إلى مدينة عطبرة تم القبض عليهم، واضاف: اذا سمعتم بالقبض علينا فاقنعوا مننا تماماً، مشيراً إلى ان الذين تم القبض عليهم تعرض بعضم لتصفيات وتعذيب قاسي بالكهرباء والجلد والاساءة.


تحقيق الاستخبارات العسكرية


بينما يقول الشيخ حسين عيسى حسن في مقطع فيديو امام مجموعة من زملائه بمنطقة “حلة عمر” بعد الافراج عنه انه تعرض للاعتقال نتيجة وشاية وتبليغ بمعلومات كاذبة للاستخبارات العسكرية قالوا فيها ان بحوزته أسلحة واجهزة تنصت ودولارات تابعة لقوات الدعم السريع، واوضح ان الاستخبارات العسكرية تحققت معهم ووجدت ان المعلومات كاذبة فأفرجت عنهم.
ويعمل شيخ حسين معلماً في خلوة “حلة عمر” بولاية نهر النيل منذ 23 سنة، تخرجت على يديه أكثر من 15 دفعة من حفظة القرآن الكريم تم اعتقاله برفقة 2 من الشيوخ و2 من اقربائهم لمدة 10 ايام قضوها ما بين عطبرة وشندي.
وقال احد اقرباء شيخ حسين ان الاستخبارات داهمت منازلهم الساعة 8 مساءً وقامت بتفتيشها، وعندما لم تجد اي شيء اقتادتهم إلى قيادة الجيش في مدينة “المتمة” وخضعوا لتحقيق، وبعد ايام تم نقلهم إلى مدينة “شندي” حيث استغرقت فترة اعتقالهم 10 أيام، مبيناً ان في هذه الفترة تمت مصادرة هواتفهم بواسطة الاستخبارات ليستقبلوا فيها كل المكالمات والرسائل الواردة إليهم، واضاف: لكن وجدوا انها مكالمات ورسائل عادية، اضافة إلى أن تواصل أهالي “حلة عمر” مع قيادة الجيش باستمرار أسهم في اطلاق سراحهم.
ويروي أن شيخ حسين ذهب قبل اعتقاله مع مجموعة من شيوخ الخلوة إلى مدينة شندي لمقابلة زملائهم من ابناء مدينة عد الفرسان بجنوب دارفور كانوا معتقلين، لكن الاستخبارات منعتهم مقابلة المعتقلين، وأضاف “بعد اسبوعين جاءوا واعتقلوا كذلك شيخ حسين ومعه 4 من الشيوخ بتهمة ما يسمونه بالخلايا النائمة” ويضيف الكثير من أبناء دارفور يقبعون في المعتقلات بهذه التهمة.


مسموحة في المتمة وممنوعة في شندي


ويقول محدثنا نقلا عن شيخ حسين انهم عندما كانوا معتقلين في “المتمة” حيث تم حبسهم في غرفة معزولين عن الاخيرين، وكانوا يسمحون لأسرهم بزيارتهم، لكن عندما نُقلوا إلى مدينة “شندي” وجدوا في قيادة الجيش ما يزيد عن 300 معتقلاً، ومنعوا عنهم الزيارة تماماً.
وتحدث احد المفرج عنهم- إلى راديو دبنقا، وهو الآن في احدي مدن دارفور يعمل تاجراً للبلح حيث قال انه ذهب إلى الولاية الشمال لشراء البلح وترحيله في دارفور حيث يعمل في هذا المجال منذ عدة سنوات، واضاف: تم اعتقالنا وكنا حوالي 15 شخصا في مدينة الدبة قبل ثلاثة اسابيع من قبل الاجهزة الامنية، وتعرضنا لتحقيقات وتعذيب قاسي وتمت مصادرة كل ممتلكاتنا حتى هواتفنا النقالة، مشيراً إلى انه اثناء التحقيقات وجهت لهم اتهامات بانهم خلايا تابعة لقوات الدعم السريع، وتابع، بعد 10 أيام تم الافراج عن بعضنا قبل زيارة اللجنة التي كلفها حاكم اقليم دارفور لولايتي نهر النيل والشمالية بينما هناك 3 أشخاص تم اطلاق سراحهم بعد تدخل لجنة مناوي حسب حديثه لراديو دبنقا.
وقال ضابط شرطة رفيع، فضل حجب اسمه، لراديو دبنقا ان لديه معلومات باعتقال 80 من أبناء الولايات الغربية بولاية نهر النيل امس الخميس، وأضاف يوجد الآن عدد من أبناء منطقتي “الطينة والهشابة” بشمال دارفور منعت السلطات في مدينة الدبة تحرك شاحناتهم إلى دارفور، وذكر انه تحدث إلى بعض سائقي الشاحنات الذين تمكنوا من الوصول إلى دارفور وابلغوه بأن هناك انتهاكات واسعة ترتكب ضد ابناء اقليم غرب السودان.
كذلك تلقى راديو دبنقا افادات من عدة أسر من دارفور تعرض ابناؤها لاعتقالات وانتهاكات، وقال أحمد بريمة القيادي بحركات الكفاح المسلح ان هناك انتهاكات كبيرة وقعت ضد ابناء دارفور والآن هناك اعداد منهم لا زالوا في المعتقلات بولايتي نهر النيل والشمالية من ضمنهم ابناء جيرانه في مدينة نيالا.
وفي تعليقه على عمل اللجنة قال بريمة انها تبدو في ظاهرها لجنة لأجل ابناء دارفور، لكنها في حقيقة الأمر ذهبت لأجل التحشيد للمقاومة الشعبية، لجهة ان اللجنة مكونة بقرار من حاكم اقليم دارفور مني اركو مناوي الذي اعلن الخروج من الحياد ازاء الحرب وتأييده للقوات المسلحة في مواجهة الدعم السريع، وهي قوات تتهم القبائل العربية بدارفور وكردفان بمساندتها في حربها ضد الجيش.
من جهته قال الصحفي ابوعبيدة برغوث ان الناس في دارفور ينظرون إلى اللجنة بشيء من الحذر لأنها جزء من الحركة التي يقودها مني اركو مناوي الذي اعلن مساندته للجيش، وان هؤلاء الشباب يتعرضون للانتهاكات ف ولايتي نهر النيل والشمالية بحجة انهم خلايا نائمة للدعم السريع، اضافة إلى انه ليس من بين اعضائها من المكونات الاجتماعية التي تعتبر حواضن للدعم السريع.
وذكر برغوث لكل هذه العوامل يخشى الناس في دارفور ان تكون مهمة اللجنة ان تشرعن لسلطات الولايتين القبض على هؤلاء المواطنين وقتلهم وتعذيبهم باعتبارهم حواضن للدعم السريع من كردفان ودارفور.
واستدل برغوث بأن اللجنة حتى الآن لم تطلق سراح اي من المقبوضين الآن في الولايتين وان كل ما قامت به هو تنظيم كرنفالات واحتفالات مع المسئولين في نهر النيل والشمالية.

تواصل راديو دبنقا مع اعضاء اللجنة التي ارسلها حاكم اقليم دارفور الى ولايتي نهر النيل والشمالية عدة مرات لكنهم ظلوا يعتذرون اما بسبب انهم في اجتماعات واماكن غير مناسبة للتحدث او بسبب انهم غير مفوضين للحديث.