غزو بوتين لأوكرانيا: من تهديد الأمن السلام الأوروبي، إلي مواصلة دعم الدكتاتوريات وتوسيع النفوذ فى أفريقيا

“وما الحرب إلّا ما علِمتُم وذُقتمُ .. وماهو عنها بالحديث المُرجّمِ..
متى تبعثوها، تبعثوها ذميمة.. وتضر إذا ضرّيتموها فتضرمِ .. فتعرككم عرك الرحى بثفالها.. وتُلقح كِشافاً ثمّ تنتج فتتئم” ((زهير بن أبي سُلمي))

فيصل الباقر

 

 بقلم: فيصل الباقر

 

 

جرس أوّل:

 

 “وما الحرب إلّا ما علِمتُم وذُقتمُ .. وماهو عنها بالحديث المُرجّمِ..
متى تبعثوها، تبعثوها ذميمة.. وتضر إذا ضرّيتموها فتضرمِ .. فتعرككم عرك الرحى بثفالها.. وتُلقح كِشافاً ثمّ تنتج فتتئم” ((زهير بن أبي سُلمي))

-1-

حتماً، ستكون المحصّلة النهائية للحرب التي شنّها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا – (البلد الذي يبلغ عدد سكانه 44 مليون نسمة) – فى الفقدان البشري فقط – آلاف القتلي، وملايين اللاجئين، ليصبحوا – أجمعين – ضحايا للغزو العسكري الآثم، والعدوان المفضوح، وهي حرب غير مبررة، وعبثية، ومرفوضة – جملةً وتفصيلا – تجعل من رفع الصوت عالياً ضدّها، وضد الحرب عموماً، مهمّة مُقدّسة ومُقدّمة لشعوب العالم المحبّة للسلام، وكل القوي الحيّة والمؤمنة بضرورة الحلول السلمية للنزاعات بين الدول والمجتمعات.

-2-

للأسف، باءت كل الجهود لمنع اندلاع الحرب بالفشل، وتعثّرب – ومازالت تتعثّر – حتّي اليوم – محاولات وقفها – بعد وقوعها بالفعل – تحت اصرار الرئيس بوتين ورغبته الجامحة على مواصلة الحرب، حتّي يحقق كل أهدافه المعلنة منها، وغير المعلنة، غير آبهٍ بملايين الأصوات التي تنادي بوقف الحرب، بما فى ذلك، صوت الشعب الروسي، الذي يرفض الحرب، وقد رأينا تعامُل الجيش الروسي وقواه الأمنية، مع الرافضين للحرب، كما رأينا عُنف الدولة معهم، وقمعها لمظاهراتهم السلمية، وفى ذات الوقت ظللنا نُشاهد من على شاشات القنوات العالمية، التظاهرات الرافضة للحرب، والداعية للسلام، فى أمكنة كثيرة فى العالم. وهكذا، تصبح مهمّة الضغط الشعبي فى العالم أجمع لإيقاف الحرب الروسية فى أوكرانيا، مهمّة مقدّسة، يجب أن تتّحد وتتوحّد كل الجهود لتحقيقها، وتقود حملاتها كل القوي المحبّة للسلام، وفى مقدّمة هذه القوي، حركات حقوق الإنسان، وحركات السلام فى العالم أجمع.

-3-

أغرب ما فى حرب بوتين الخاسرة، هي دعوته – أو لنقل بصريح العبارة تحريضه – للجيش الأوكراني لإستلام السلطة، عبر الإنقلاب على حكومة الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، وسعي بوتين لتنصيب قيادة موالية له، بعد أن ظلّ على مدي أشهر ينفي التخطيط لغزو أوكرانيا، ليغزوها يوم الخميس الفائت – 24 فبراير 2022- برّاً وبحراً وجوّاً – على ذات طريقة “وحدث ما حدث” السودانية المعروفة، أو بطريقة مُشابهة، وكأنّ “العسكر والإنقلابيين القُدامي والجُدد – فى كل مكان وزمان – يقرأون من نفس الكتاب، وذات الصفحات”!.
-4-
فى هذا الطريق المؤدّي للهاوية، فى أوروبا، وفى حرب بوتين فى أوكرانيا، يجيء – ويتواصل – الزحف الروسي للقارة الإفريقية، بعد تجربة الروس الوخيمة والأليمة فى الشرق الأوسط، وبخاصّة فى سوريا، حيث ظلّت تدعم نظام بشّار الأسد لسنوات عسكرياً وأمنيّاً، عبر اطلاقها العمليات العسكرية المستمرة منذ العام 2015، بصورة مكثّفة. وغير بعيد عن الذاكرة الأفريقية، تجربة (الروس) فى جمهورية أفريقيا الوسطي، التي ظهر فيها الدور والوجود الروسي – بصورة مفضوحة – فى شكل مرتزقة من مجموعة “فاغنر”، وما أدراكما “فاغنر”، فى عام 2017، وأرتال “المستشارين” العسكريين، وأدوارهم فى ليبيا “دعم حفتر”، وأدوراهم فى مالي وموزمبيق والسودان.

-5-

يأتي مُضافاً إلى كل ذلك، الدور الكبير لروسيا فى أفريقيا، متمثّلاً فى جعلها سوقاً نشطة للسلاح الروسي، والشواهد معروفة – يضيق هذا المقال، عن حصرها – فهناك مصر والجزائر، وفى الطريق دول أفريقية أُخري، من بينها تنزانيا والكاميرون ………… إلخ، وغير بعيد من الأذهان قمّة (سوتشي) التي أقامتها القيادة الروسية لقادة أفارقة (أكتوبر 2019)، وغير خافٍ عن الأنظار الاتفاقات التي أبرمتها روسيا مع كُلٍّ من أنقولا ونيجريا وبوركينا فاسو وغينيا الإستوائية، والسودان (1017 و2018)، وتشمل هذه الاتفاقيات تصدير الطائرات المقاتلة، وغيرها من أسلحة الحرب والدمار!.
– 6-
يخيب بوتن، إن ظنّ أنّ البحث عن حلفاء فى أفريقيا، يمكّنه من فرض إرادته على شعوب القارّة السمراء، وإن تمكّن من استمالة وشراء بعض القيادات، ويُخطيء التقدير، وسيخيب أمله – مرّتين، إن لم نقل ثلاث – إن ظنّ أنّ عسكر انقلاب 25 أكتوبر فى السودان، مع، أو بدون، قائد الدعم السريع (دقلو)، سيتمكّنون من أن يفتحوا له أرض وشواطيء السودان، ليبني عليه القواعد البحرية، ويسهدّد منها أمن وسلام شعوب القارّة الأفريقية، فى إطار معركته مع الغرب، حول تقاسم النفوذ، فالسودان يشهد مرحلة استكمال ثورة، من ثوابتها البُعد عن المحاور الإقليمية والدولية فى طريق الإستقلال الحقيقي، وعدم التدخُّل فى خيارات الشعوب الأُخري، وسيبقي السودان وشعبه عصيٌّ على التركيع، وهذا حديث يطول!.

-7 –

ولأنّ لكلٍّ حربٍ – ومعها – صحافة (مُنتهِكة)، تروّج لها، وتتحمّل وزر حماقاتها، تبقّي أن ننبه، ونُشير لدور الصحافة / الميديا العالمية والإقليمية والسودانية المطلوب، فى تغطية الحرب الروسية فى أوكرانيا، كما فى غيرها من بؤر النزاع، ومهام وواجبات الصحافة الحسّاسة للنزاع، فهناك – بلا شك – تحدّيات كبيرة تواجه الصحافة، والصحفيين والصحفيات، وبخاصّة، الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه (صحافة السلام) التي تتلخّص رسالتها فى “اعطاء السلام فُرصة”، والصحافة الموجّهة نحو الحلول !.

-8-

إنّه أمرٌ مرتبطٌ بأخلاقيات العمل الصحفي بالدرجة الأولي، وبواجباتنا كصحفيين وصحفيات فى تغطية النزاع، بحساسية حقوق إنسان، بعيداً عن المشاركة فى إذكاء نيران الحرب، و”صب الزيت فى النار” أي اهتمام مُجمل العملية الصحفية بـ”أنسنة ” القصّة الخبرية، والتعامل مع الأحداث وبخاصةً النزاع والحرب، بوعيٍ مهني، واحترافي، وحِس وبُعد إنساني، فى مُقابل ما تسعي لتحقيقه أو تمريره الصحافة التقليدية، التي ينحصر همّها – الأساسي – فى تحقيق “السبق الصحفي”، وما تبثّه من “بروباقاندا”، صحافة الحرب، التي تنشط – بوعي، أو بدون وعي – فى نقل الأخبار الكاذبة والملفّقة والمضطربة والمفبركة، وتعمل لخدمة “البروباقاندا”، ونشر خطاب الكراهية، بدلاً عن خدمة الحقيقة، والبحث عنها، والتي هي أوجب واجبات الصحافة المهنية. فيا صحفيي وصحفيات وإعلاميي وإعلاميات العالم، والسودان على وجه الخصوص، إنتبهوا!.

جرس أخير: 

“إذا كانت الحرب خلاصة كل الشرور ، فالاستبداد خلاصة كل الحروب” ((سيمون بوليفار))