عاجل لرئيس الوزراء .. قبل أن تستفحل الأزمة

بهذا المكتوب ندعو رئيس الوزراء لأن يقوم بإعادة النظر حول قرار تشكيل لجنة التحقيق في أحداث فض الإعتصام قبل أن تتولّد عن ذلك أزمة يستعصي حلّها وتفوق – من حيث الآثار التي تترتب عليها – ما حدث بشأن الأزمة التي أعيت من يداويها حول تعيين رئيس القضاء والنائب العام، ونحن نعني العبارة بوصف الأزمة بأنها تفوق سابقتها، ذلك أن المعايير التي يتطلع إليها الشارع وذوي الشهداء والمفقودين.

بقلم: سيف الدولة حمدنا الله

بهذا المكتوب ندعو رئيس الوزراء لأن يقوم بإعادة النظر حول قرار تشكيل لجنة التحقيق في أحداث فض الإعتصام قبل أن تتولّد عن ذلك أزمة يستعصي حلّها وتفوق – من حيث الآثار التي تترتب عليها – ما حدث بشأن الأزمة التي أعيت من يداويها حول تعيين رئيس القضاء والنائب العام، ونحن نعني العبارة بوصف الأزمة بأنها تفوق سابقتها، ذلك أن المعايير التي يتطلع إليها الشارع وذوي الشهداء والمفقودين والجرحى في إختيار رئيس وأعضاء لجنة التحقيق في موضوع بهذا القدر من الأهمية والحساسية بحيث ضُمِّن بالوثيقة الدستورية، تزيد ولا تقل عن المعايير المطلوبة في إختيار صاحبي منصب رئيس القضاء والنائب العام.

ما حدث، أنه وقبل سفر رئيس الوزراء بساعات، أصدر قراراً بتشكيل لجنة التحقيق في أحداث الإعتصام وجعل رئاستها لقاضٍ من المحكمة العليا، وعضوية ممثلين لوزارة الدفاع والداخلية وجهاز الأمن بالإضافة إلى ممثل لوزارة العدل وشخصية قومية وثلاث من المحامين وممثل لذوي الضحايا، وبحسب صياغة ومفردات القرار، فقد تُرك تسمية رئيس اللجنة وممثلي الجهات المذكورة لأصحاب القلم في تلك الإدارت، أي رئيس القضاء ووزيري الدفاع والداخلية ومدير الأمن على التوالي، ولم يُبقِ رئيس الوزراء لنفسه في سهم الإختيار غير الشخصية القومية والمحامين وممثل ذوي الضحايا.

هذا مشروع (ورطة) جديدة يتسبّب فيها الذين نصحوا رئيس الوزراء بإصدار قرار التشكيل بهذه الكيفية، وهي تكرار للأزمة السابقة التي صنعتها السلطة التي تقود الثورة بيدها ثم أخذت تبحث – دون جدوى – في حلها، إذ جعلت الوثيقة الدستورية سلطة تشكيل لجنة التحقيق – وبالأسماء – في يد رئيس الوزراء، وبحسب هذا القرار سوف ينتهي الأمر بأيلولة تسمية رئيس اللجنة وأفرادها المؤثِّرين (الشرطة والجيش والأمن) إلى أيدي آخرين يفتقرون – في نظر الشارع – للحياد المطلوب بسبب مشاركتهم إما بأنفسهم أو الإدارات التي يتبعون لها في قمع الثورة والثوار في مراحلها المختلفة أو في فض الإعتصام نفسه.

ثم، من هو قاضي المحكمة العليا الذي يطمئن إليه الشارع في رئاسة اللجنة، والمعلوم أن البحث جارٍ لشهور عن شخص مثله يصلح لرئاسة القضاء ولم يُعثر عليه؟ والعبرة هنا ليست في الكفاءة والتأهيل، وقد يكون هناك كثيرون يكتسبون هذه الصفات من بين قضاة المحكمة العليا، ولكن العبرة والمعيار هنا في إطمئنان الشارع في أن يكون قاضي المحكمة العليا ورئيس اللجنة صاحب مواقف معلومة ومشهودة وله قلب جامد يستطيع أن يخوض به هذه المهمة الحسّاسة والدقيقة ومقبول لدى الشارع والثوار.

لقد فتحت الوثيقة الباب أمام رئيس الوزراء ليقوم بنفسه ودون مصادقة من أي جهة أخرى بتشكيل لجنة بالأهمية التي إقتضت أن يتم النص عليها في صلب الوثيقة، وقد كان بيد رئيس الوزراء أن "يستنضِف" وبمشورة من يثق فيهم إختيار شخصية قانونية مستقلة (وليكن القاضي عبدالقادر محمد أحمد ما دامت قوى الحرية والتغيير قد (إستجابت) لإعتراض المجلس العسكري عليه ليكون هو رئيس اللجنة، ثم يُسمّي رئيس الوزراء بنفسه أعضاء اللجنة الآخرين من صفوف ضباط الشرطة والقوات المسلحة والأمن (إن كان ولا بد من الأخيرتين) من أصحاب المواقف التي برزت خلال الثورة أو قبلها، سواء كانوا بالخدمة أو من خارجها من المفصولين، وليس بالضرورة أن تتألف اللجنة من هذا العدد الكبير، ويكفي لأعمالها رئيس وعضوين وممثل لذوي الشهداء (كمراقب)، على أن يكون للجنة الإستعانة بآخرين من القانونيين وضباط التحري والفنيين …إلخ في أعمالها.

ثم، لماذا قصَر القرار صلاحيات اللجنة في الإستعانة بالدعم الأفريقي بحسب نص القرار؟ وماذا لو أن جهات من خارج قارة أفريقيا تمتلك التكنلوجيا المتقدمة مثل تزويد اللجنة بالمقاطع المُصوّرة عن طريق الأقمار الصناعية للأحداث قد عرضت المساعدة في التحقيق !!

لا يمكن توجيه اللوم لرئيس الوزراء في هذا الخصوص إلاّ في حدود سوء إختيار ناصحيه ومستشاريه الذين صاغوا القرار، ولعل ذلك قد حدث نتيجة مُسابقة رئيس الوزراء للزمن لحرصه على إستيفاء القيد الزمني المضروب لصدور القرار خلال شهر واحد من تاريخ تعيينه في المنصب، وقد ذكر رئيس الوزراء ذلك أثناء لقائه بأفراد إحدى الجاليات السودانية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الحظ أنه لا يزال هناك مُتسع من الوقت لتصحيح هذه الأخطاء قبل فوات الأوان، ويعكف زملاء من القانونيين في إعداد مُقترح بديل لمشروع القرار.

حاشية:

شاهدت تسجيلاً لحديث الأستاذة/ إبتسام سنهوري الذي أخلت فيه مسئوليتها هي وزملائها في اللجنة القانونية التابعة لقوى الحرية والتغيير من وضع الآلية بالغة التعقيد لتعيين رئيس القضاء والنائب العام، ووضعتها على أكتاف الأساتذة الكبار كمال الجزولي وتاج السر الحبر ومحمد الحافظ محمود، وننتظر بشغفٍ بالغ خروج تعليق حول هذا الموضوع، قبل أن نتناول ذلك ضمن ما ننوي كتابته حول ما جاء في حديث الأستاذة/ إبتسام.