رسم بالذكاء الاصطناعي تمثل أدوية في تربيزة

لزمت السرير في الأسابيع الماضية بسبب انفلونزا حادة كانت عدواها بمثابة الوباء هنا في هولندا. كان المعارف والزملاء يسألونني طيلة أيام مرضي: عملت ليها شنو؟
وكنت أجيبهم إجابة العارف المتواطئ مع السلطات الصحية وسوق التأمين الصحي: لا شيء سأدع الفايروس يفعل مفعوله.
وقد كان. امتد تخريب الفايروس من اللوزتين والحلق الى الاذن وفراغ الجبهة والصدغين انتهاء بالتهاب حاد في العيون.
اضطررت هذه المرة لعمل موعد مع طبيب الأسرة. ولسوء حظي استقبلني طبيب شاب يبدو أنه أكمل للتو تدريبه كطبيب للأسرة. رحب بي بطريقة اصيلة لا تحس معها بتكلف وكأنه صديق حميم. ثم سرعان ما سألني: قل لي ماهي شكواك؟
شكوت له الأعراض باستفاضة قاربت الحماس في عرض حالي وضعفي الذي صرت إليه.
ويبدو أنه من التدريب يعرف أن المرضى في العمر المتوسط أو كبار السن يبالغون في الشكوى ويستدرون الشفقة بشكل يشبه الابتزاز. وكي يبطل مفعول هذه الحكايات المتوقعة مارس الطبيب معي ما يشبه جلسات المرضى أصحاب الإدمان. بدأ يسألني عما تعنيه هذه الاعراض، ثم سألني عن توقعاتي منه في هذه الزيارة؟
كان من الممكن أن أرد الكرة بالقول إنه هو الطبيب وعساه أن يخبرني ما هو فاعل بي وبالأعراض التي شكوتها، ولكني وبالنظر لالتهاب العين الذي أعاني منه أجبته: أريد أن اعرف طبيعة هذا الالتهاب هل هو فيروسي أم بكتيري؟
اخرج الطبيب الشاب كتابا تزين صفحاته رسومات يد ملونة تصور فراغات الوجه والانف والجبهة وارتباطها ببعضها البعض، قائلا ان بعض هذه الفراغات يحتاج لنظافة. كتب لي وعاء اشبه بالإبريق وملعقة صغيرة للعيار اعبئها بالملح الذي يحل بماء دافئ داخل الاناء ويتم تفريغه في فتحة الانف بجانب كي تخرج المياه من الانف الأخرى والعيون.
عدت للعمل ينتابني غضب خفي مبعثه سوء الظنون في المؤسسات كلها. منذ سنوات والتأمين الصحي يملي على الأطباء عدم الاسراف في اجراء الفحوصات التي لا لازم لها، أو صرف الأدوية الباهظة والتعامل بالبدائل ما أمكن.
ولكن صوت آخر داخلي يقول إن هذا الطبيب الشاب حديث التخرج يحفظ البروتوكول عن ظهر قلب ويعرف من حزمة الاعراض أن الفيروس فعل فعله في جسدي ولا علاج له إلا مقاومتي الداخلية والاجسام المضادة التي ينتجها الجسم.
تصورت حال السودان والسهولة التي نتعامل بها، وتتعامل بها المؤسسات الطبية والصحية مع الأدوية.
كنت حين تشارف زيارتي للسودان على الانتهاء اذهب للصيدلية وأتبضع كما يحلو لي: أموكسيسيلين وكورس مضاد للملاريا، وفلاجيل، وكل ما يخطر على البال من أمراض يمكن أن تصيبني عقب عودتي لمهجري.
نحن السودانيون نتعامل بإهمال كبير وسوء تقدير لما يمكن أن تلحقه بنا الأدوية المختلفة والاسراف في استخدامها دون تشخيص واضح، وأثر ذلك على جهاز المناعة. ولو كان في البلد مؤسسات تجري احصائيات دقيقة قد كنا نعلم كم من المليارات يتم هدرها نتيجة سياسيات دوائية خاطئة وثقافة أهلية ترى أن قمة الاهتمام الطبي هو الخروج بروشتة طويلة من عند الطبيب.

إبراهيم حمودة – راديو دبنقا