صورة من مقطع فيديو لعدد من الجنود يحملون رأسين مقطوعين


أثار مقطع الفيديو المتداول لجنود من القوات المسلحة وهم يحتفلون بقطع رأسي جنديين من الدعم السريع، اثار حملة إدانات واسعة في الأوساط السياسية والقانونية التي اعتبرته جريمة تستدعي المحاسبة والعقاب الرادع ودليل جديد على ضرورة الإسراع بوقف الحرب ليتوقف معها سيل الانتهاكات من طرفيها.
وسارع الناطق الرسمي للقوات المسلحة إلى إصدار بيان يعلن فيه عن بدء تحقيق في هذه الحادثة وأن القوات المسلحة ستعاقب مرتكبيها إذا ثبت أنهم من أفرادها. من جانبها، وصفت قوات الدعم السريع ما حدث بأنه استهداف عرقي وعنصري واعتبرته استمرار لنهج الفلول في ارتكاب الجرائم والانتهاكات.
استمرار لممارسات الحركة الإسلامية
وفي تعليقه على مقطع الفيديو الصادم، أعتبر الدكتور هشام عمر النور، الأستاذ الجامعي والناشط المدني، أن الحرب في السودان تتجه لأسوأ الخيارات وأنها قد أخرجت كل أثقال أنفسنا. واتهم الدكتور هشام عمر النور في حديث لراديو دبنقا الحركة الإسلامية باعتمادها ومنذ تنفيذ انقلابها في العام 1989 العنف المطلق لتعزيز سلطتها والآن هي تستخدم هذا العنف المفرط وتصل إلى نهاياته حتى تستعيد سلطتها المفقودة. وقد وضعت الحركة الإسلامية السودانيين أمام خيارين، إما أن تستعيد سلطتها وإما أن تمضي بالبلاد ككل نحو الخراب والدمار الشامل. وأبدى الدكتور هشام عمر النور أسفه لأن هذا السيناريو هو الذي سيمضي.
وناشد الدكتور هشام عمر النور دعاة التغيير في البلاد والثوريين بالحفاظ على قدر من التفاؤل وأن ذلك يتم التعبير عنه من خلال سيناريو واحد فقط يتمثل في وحدة القوى المدنية. وأشار الدكتور هشام عمر النور إلى أن البشاعات التي نشاهدها تفوق قدرة الإنسان العادي على التحمل، خصوصا بالنسبة للسودانيين الذين يشاهدون مثل هذه المشاهد. أي إنسان لديه ضمير سليم لا يستطيع تحمل مشاهدة مقطع الفيديو الفظيع فهو أمر لا يمكن التعايش معه، دعك من أن البعض كان يضحك وهو يستعرض الرؤوس المقطوعة.
ممارسة منافية للأخلاقيات
من جانبه، اعتبر الدكتور محمد زكريا، الناطق الرسمي باسم الكتلة الديمقراطية، أن هذا الأمر صادم بالتأكيد وغير مقبول وممارسة منافية للأخلاقيات دون شك. ووصف الدكتور محمد زكريا في حديثه لراديو دبنقا الخطوات التي اتخذتها القوات المسلحة بفتح تحقيق في الواقعة بالصحيحة وهو ما كان مرجوا لمعالجة مثل هذه الخروقات. وأشار إلى أن الحروب تأتي وفي معيتها كثير من الانتهاكات التي تتنافى مع حقوق الإنسان واستشهد بحادثة التمثيل بجثة والي غرب دارفور الراحل، الشهيد خميس عبد الله أبكر، رئيس التحالف السوداني في مشاهد كانت صادمة للأمة السودانية ولمحبي الإنسانية. كل سلوك من هذه الشاكلة هو سلوك مرفوض ومدان ويستوجب وقف الحرب، وحتى يتم ذلك يجب الالتزام بقواعد الاشتباك والعمل وفق القانون الدولي والقانون الإنساني. وشدد الدكتور محمد زكريا على أن الكتلة الديمقراطية تدين مثل هذه الممارسات وترى ضرورة أن تجري عملية تحقيق شفافة وإن ثبت أن ذلك من مسؤولية جنود يتبعون للقوات المسلحة، فيجب تقديمهم للمحاسبة العادلة.
تسليم هذا الملف للمحكمة الجنائية الدولية
أما نور الصادق، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، فقد أكدت أنها شاهدت الفيديو وأن الجنود هم من القوات المسلحة والضحايا من الدعم السريع، ووصفت هذا الفعل المريع بأنه تقشعر له الأبدان. وأضافت أنها تذكر مثل هذا النوع من المشاهد خلال الحرب في رواندا وأنها كانت تترك أثرا سيئا وكنا نعلق على ذلك بأن مرتكبي هذه الأفعال ليسو من البشر. هذا الفعل غريب ولم يحدث ولم نكن نتوقع حدوثه في أي وقت من الأوقات مهما كانت العداوة بين الجيش والدعم السريع. وقالت نور الصادق أنهم ليسو مع الجيش أو مع الدعم السريع، لكن نقولها بوضوح أن التمثيل بالجثث بعد القتل ممارسة في غاية السوء وقبيحة ولا إنسانية.
وطالبت القيادية بالحزب الشيوعي بنقل هذه المشاهد المرعبة إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. واعتبرت أن من ارتكب هذا الفعل هم نفسهم من يحرض على استمرار الحرب وأن هذه المشاهد ستترك أثرا سيئا لدى جنود الدعم السريع وسيمثل ذلك دافعا لهم للانتقام في إطار الفعل ورد الفعل. الحرب في الميدان يجب أن تكون شريفة وتقتل ويقتلوك بالوسائل المعروفة، لكن الوصول لحد التمثيل بالجثث، فهذا سلوك دخيل علينا وعلى مجتمعاتنا والعقل السوي والإنسان السوي لا يستطيع حتى مشاهدة مثل هذه المقاطع، حتى ولو كانت في فيلم. وحذرت نور الصادق أن مثل هذه الممارسات هي التي ستؤدي إلى الحرب الأهلية التي نخشى حدوثها.
جريمة مزدوجة
وحول التكييف القانوني للمشاهد التي احتواها مقطع الفيديو وما إذا كانت تدخل في إطار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، قال الأستاذ المعز حضرة، المحامي والخبير القانوني، أن اتفاقيات الحرب الأربعة في جنيف أوضحت أنه في حالة ممارسة الحرب في مكان ما وفي إقليم ما أن هناك أساليب يجب أن تتبع وهناك قوانين ولوائح يجب أن يؤخذ بها فيما يتعلق بالقبض على الأسرى وكيفية معاملتهم وكيفية تسليمهم بواسطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وبالتالي أن يقوم طرف، وكما شاهدنا في مقطع الفيديو بالأمس أفراد يرتدون زي القوات المسلحة، بممارسة هذا الفعل الإجرامي فهذه قطعا جريمة حرب. تصفية جنود الطرف الآخر بهذه الوحشية هو حتما جريمة حرب.
وأكد الأستاذ المعز حضرة أنه في حال تكرر هذا الفعل وتحوله إلى فعل مستدام يمكن أن تصل إلى جرائم تطهير عرقي، كما أن هذه الممارسات تخالف حتى القوانين السودانية وفي مقدمتها القانون الجنائي فيما يتعلق بالجرائم ضد الدولة والجرائم ضد الإنسانية. حيث تم استحداث مواد بعد جرائم حرب دارفور وأصبحت جزء من القانون الجنائي السوداني، وبالتالي هؤلاء الأفراد لم يخالفوا القانون الدولي الإنساني، بل خالفوا القانون الجنائي السوداني. حتى قانون القوات المسلحة وإسوة بالقانون الجنائي السوداني يرفض مثل هذه الأفعال ويعتبرها جرائم وفق القوانين الداخلية والقوانين الدولية.