حول اتفاق ( البرهان – حمدوك ) السياسي !!!

قرات واستمعت للكثير من التعليقات حول ما تم من إتفاق سياسي بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 ومن الواضح إن السودانيين منقسمين إلى فريقين رفضا أو تأييدا لهذا الإتفاق .. لقد انصب جام غضب المعترضين وقطاع عريض من الشارع على رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك وذهب البعض لاتهامه بخيانة الثورة في وقت شارك فيه عدد كبير من السياسيين والخبراء الوطنيين في صياغة الإتفاق المشار إليه وفي ترتيب ما تبعه من تفاهمات وذلك في إطار المبادرة الوطنية الجامعة..

عبدالباقي جبريل

 

بقلم : عبدالباقي جبريل

 

قرات واستمعت للكثير من التعليقات حول ما تم من إتفاق سياسي بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 ومن الواضح إن السودانيين منقسمين إلى فريقين  رفضا أو تأييدا لهذا الإتفاق .. لقد انصب جام غضب المعترضين وقطاع عريض من الشارع على رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك وذهب البعض لاتهامه بخيانة الثورة في وقت شارك فيه عدد كبير من السياسيين والخبراء الوطنيين في صياغة الإتفاق المشار إليه وفي ترتيب ما تبعه من تفاهمات وذلك في إطار المبادرة الوطنية الجامعة..

إن أخذ السودانيين لزمام المبادرة لمعالجة قضاياهم الوطنية هو سلوك وطني مشرف يجعل من هذا الإتفاق جهدا سودانيا يمكن أن يفتح الباب لتطويره وتعزيزه بما يحقق أهداف الثورة وخدمة المصالح الوطنية العليا بدأ بتحجيم طموح أصحاب الفكر الانقلابي والهيمنة على مقدرات البلاد بكل أنواعها وبعدها معركة الإصلاح الشامل لمؤسسات الدولة وتطوير فلسفة وممارسات الحكم .. إن صياغة الإتفاق بأيدي وإرادة سودانية يمثل حجر الأساس لايقاف التدخلات الخارجية في شؤون البلاد الداخلية، وهو ما يستحق الإشادة والدعم من الجميع .. قام أصحاب المبادرة بالتشاور مع قطاعات حزبية ومدنية لا يمكن تجاوزها، وبعدما علم رئيس الوزراء حقيقة ما يجرى على الأرض من مواجهات دامية بين الثوار والأجهزة الأمنية، قرر العمل على المحافظة على أرواح شباب الثورة وعلى إعادة الهدوء من أجل إنقاذ ما تم تحقيقه خلال العامين الماضيين من إنجازات إقتصادية وسياسية، خاصة في مجال فك العزلة الدولية ونشر الحريات العامة وتسريع الخطى نحو التحول الديمقراطي المرتقب، اتفقنا معه أو اختلفنا حول هذه الخيارات. 

من الراجح إن المحرك الأساسي للانقسامات في الشارع السياسي، وردود الأفعال المتباينة حول التطورات الأخيرة، خاصة ردود الأفعال الرافضة للحوار، والبلاد على شفا الانهيار، هو العاطفة الجامحة مصحوبة بالاحساس بالخذلان بعيدا عن الواقعية والتريث في تقييم الخيارات والفرص الآمنة المتاحة .. تشرزم قوى الثورة كما عبرت عنه الانقسامات في قوى ميثاق الحرية والتغيير وتموضع الفرقاء في أجنحة متصارعة، بالإضافة إلى إبعاد أو إبتعاد بعض القوى السياسية عن العمل المشترك مع رفاق النضال ومنذ فترة طويلة، هو مثال صارخ على عدم العقلانية السياسية وقلة الصبر والتريث .. يتم كل هذا التنازع المدمر بعد أن وقعت القوى السياسية ضحية لارتبكاك المشهد في وقت تسود فيه الرغبة في إقصاء بعض القوى من المشهد السياسي والأثرة وحب الإنتصار للذات والتصلب للرأي بلا مرونة، أحادي كان أم جماعي، بعيدا عن المصلحة العامة الجامعة والتضامن الوطني .. باستثناء بعض الأصوات بين شباب الثوار، فيلاحظ تراجعا مخيفا في مشاعر الأخوة في الوطن وحقوق المواطنة المتساوية مصحوبا بإطلاق النعوت الجارحة والتقليل من الشأن والتخوين مما يشكل حاجز صد نفسي خطير خصما من وحدة الهدف والمصير المشترك .. تبقي الرغبة غير المحدودة في المحافظة على المكتسبات والمصالح الفئوية الضيقة، بالإضافة إلى الغربة الوجدانية وعدم الإحساس بهموم ومشاكل أهل البلاد بعضهم البعض، هي أسوأ محرك للمواقف السياسية المتضادة وللتنافر والفرقة بين المواطنين على إختلاف أعراقهم وثقافاتهم ومناطقهم .. 

إن تفكير الفرقاء السياسيين المتناحرين والشارع المنقسم لم يخرج كثيرا عن التنميط المخل – مدنيين ديمقراطيين وعسكريين أو مسلحين انقلابيين – وعلى هذا القياس فكل فريق يمكنه أن يفصل قضيته بصورة مقنعة ويأتي بأدلة وسوابق مقبولة دعما لهذا الموقف السياسي أم ذاك .. المدهش إنه وبنظرة فاحصة إلى ظروف السودان المعقدة الحالية، يستنتج مراقب الأحداث الحصيف بأن ما يظهر من مقبولية في صحة المواقف السياسية على تضادها إنما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الجميع على خطأ وإن الحقيقة تقع في منطقة وسطي أشاح الجميع النظر عنها لسبب أو آخر .. من الملاحظ كذلك إهتمام الكثيرين بقضايا انصرافية وقليلة الأهمية على حساب المصالح الوطنية العليا المجمع على أهميتها بما فيها قضايا الوحدة الوطنية والتعاون من أجل معالجة مواضيع السلام والتحول الديمقراطي وإعادة بناء مؤسسات الدولة المدمرة ..

بنظرة سريعة إلى حالات مشابهة من التشرذم الوطني والاقتتال الداخلي والعداء السياسي العميق، والتي مرت بها شعوب أخرى في محيطنا الإقليمي الإفريقي، فتثبت التجارب الإنسانية بأن الحوار البناء بالإضافة إلى القيادة الرشيدة الشجاعة صاحبة النظرة الإستراتيجية الفطنة للمستقبل هي السبل الوحيدة لإنقاذ السودان وأهله من شرور الإختلاف والخلافات المدمرة .. إن القبول بالآخر المختلف عرقيا أو ثقافيا والتسامي فوق الجراح من أجل بناء وطن العدالة الإجتماعية والمساواة للجميع هو ما سيعين السودان وأهله على مواجهة حقائق الأشياء بشجاعة ويزيل المخاوف والشكوك في نوايا بعضهم البعض .. إن التسامح وقبول الآخر المختلف كمواطن متساوي الحقوق هي القيم التي ستلجم الرغبة في الفرقة والشتات وتغلق الباب على تنامي المشاعر العنصرية والكراهية العرقية، هذه الأمراض الإجتماعية هي أخطر الأعداء التقليديين للإنسان في مجتمع متعدد الثقافات والأعراق والألوان، وهي كذلك أسباب جوهرية لارتكاب الجرائم الكبري ضد السلم المجتمعي وللنزاعات المسلحة وعدم الإستقرار السياسي.