حكومة “تأسيس” تباشر مهامها: هل يلوح السيناريو الليبي والصومالي في الأفق؟

نيالا – 1 سبتمبر 2025 – راديو دبنقا
أثار أداء أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة “تأسيس” برئاسة محمد حمدان دقلو ونائبه عبد العزيز الحلو اليمين الدستورية في نيالا يوم السبت، وأداء محمد حسن التعايشي القسم رئيسًا للوزراء أمس في نيالا،أثار مخاوف حول مستقبل المشهد السياسي في السودان.
تيمم سياسي
قال مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، إن حكومة الدعم السريع في نيالا ليست إلا تيممًا سياسيًا؛ يصح بغياب الماء، لكنه يبطل متى ورد الماء، والماء هنا هو قوة الدولة الشرعية.
وأضاف في تغريدة على وسائل التواصل: إن حكومة السودان تتحمّل وزر التقصير في إبطال الباطل في أوانه، رغم وفرة أدوات الإبطال.
خطوة فاشلة
قلّل الدكتور محمد زكريا، الناطق باسم الكتلة الديمقراطية وحركة العدل والمساواة، من خطوة تشكيل حكومة “تأسيس”، ووصفها بأنها خطوة فاشلة ولن تغيّر شيئًا في بقاء الدولة السودانية واحدة موحّدة بجيشها ومؤسساتها، بحسب تعبيره.
واعتبر الخطوة “مناورة يائسة” بعد الهزائم التي تعرّضت لها قوات الدعم السريع عسكريًا وسياسيًا.
وأضاف، في حديثه لراديو دبنقا، أن خطوة تشكيل حكومة تأسيس في نيالا هي عجز سياسي وإفلاس أخلاقي، ولن يكون لها أي أثر على أرض الواقع سوى المزيد من العزلة.
وقال إن دعم الاتحاد الإفريقي، ممثلًا في مجلس السلم والأمن الإفريقي، للسودان وسيادته ورفض الحكومة الموازية، وكذلك موقف جامعة الدول العربية التي أكّدت دعمها للحكومة السودانية، يؤكد عزلة تحالف “تأسيس” وحكومته التي فشلت في الحصول على أي اعتراف أو شرعية.
وأكّد في حديثه أن وحدة السودان خط أحمر، ولن تنال منها المؤامرات ولا الأجسام الهلامية، بحسب تعبيره.
ميلاد الجمهورية الثانية
قال الدكتور سليمان صندل، القيادي في تحالف تاسيس، إن إعلان حكومة تأسيس بمثابة ميلاد الجمهورية الثانية على أنقاض الجمهورية الأولى الفاشلة التي أورثت الشعب السوداني الحروب والكراهية والعنصرية والتخلف التنموي حسب تعبيره.
وأكد أن الهدف هو تحرير كل السودان من قبضة مجموعة بورتسودان والمجموعات الإرهابية ليكون تحت راية الجمهورية الثانية، لترفرف شعارات الوحدة والحرية والسلام والعدالة والمساواة، وليمارس الشعب السوداني السيادة على أرضه وموارده وينعم بها.
مشروع تقسيم في حال استمرار الحرب
من جانبه، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عثمان ميرغني إن خطوة إعلان المجلس الرئاسي وأداء القسم لحكومة تأسيس تعبّر عن تداعيات الحرب أكثر من كونها خطوة جادّة فعلاً لإعلان حكومة يمكن أن تكون فاعلة ونشطة ومقبولة ومعترفًا بها إقليميًا ودوليًا.
ولكنه توقّع، في الوقت ذاته، أن تكون هذه الخطوة مشروع تقسيم إذا استمرت الحرب أكثر مما هي عليه الآن، مبيّنًا أن الحرب تتخلّق في شكل جديد كلما طالت، وستؤدي إلى نشوء أجندات جديدة، منها تطوير فكرة الحكومة الموازية إلى دولة مستقلة، مما يؤدي إلى دخول السودان كلّه، وليس دارفور وحدها، في نفق التقسيم.
ولم يستبعد عثمان ميرغني أن تمتد التداعيات إلى دول الجوار، خاصة الشرقي والغربي، وهذا قد تكون له تأثيرات على القارة الإفريقية.
وأضاف: “لهذا فإن الاتحاد الإفريقي عجّل، عن طريق مجلس السلم والأمن، برفض هذه الخطوة منذ اليوم الأول لإعلانها، وكرّر ذلك أكثر من مرة في أكثر من بيان، وكذلك الأمم المتحدة وبعض المنظمات الأخرى، ودول مهمّة مثل الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والسعودية وغيرها؛ كلّها أعلنت رفضها لهذه الخطوة، لأن تأثيراتها أكبر من حدود السودان.”
كما توقّع أن تثير هذه الخطوة كثيرًا من الجدل داخل الوسط السياسي السوداني، مما يؤدي إلى نوع من الاستقطاب السياسي الجديد.
وقال إن حكومة تأسيس ستصبح ورقة تفاوضية، خاصة أن المفاوضات والتسوية السياسية التي يعمل عليها المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية ومصر والإمارات (الرباعية الدولية) بدأت تقترب بسرعة، مما يؤكد الحاجة لأوراق سياسية، وهذه ستكون واحدة من الأوراق التي يستخدمها الدعم السريع.
سيناريوهات
من جانبه، يرى الدكتور محمد عبد الله تورشين، المحلل السياسي، أن هذه الخطوة تضع البلاد أمام سيناريوهين رئيسيين على الصعيدين الخارجي والداخلي.
اعتراف دولي أو إقليمي جزئي
يتمثّل السيناريو الأول في حصول هذه الحكومة على نوع من الاعتراف الدولي أو الإقليمي، وإن لم يكن كاملاً.
يشير تورشين إلى أن بعض القوى الإقليمية والدول المجاورة قد تعترف بهذه الحكومة بسبب مصالحها المباشرة.
ويستشهد بنماذج مشابهة، مثل حكومة شرق ليبيا التي اعترفت بها بعض الدول مثل مصر والإمارات، أو التعامل العملي معها كقوة على الأرض من قبل دول أخرى مثل فرنسا وروسيا.
وفقًا لهذا التحليل، قد لا تحصل حكومة الدعم السريع على اعتراف شرعي يسمح لها بفتح بعثات دبلوماسية، ولكن سيتم التعامل معها كقوة واقعية ومؤثرة على الأرض، خاصة في المناطق الغنية بالموارد التي تسيطر عليها.
ويوضح تورشين أن أهمية السودان وموارده، خاصة في دارفور، تجعل من الصعب تجاهل القوة المسيطرة هناك، نظرًا لتأثيرها المباشر على دول الجوار مثل ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان.
ويشير إلى حالة “أرض الصومال” التي لم تحصل على اعتراف دولي كامل، لكن يتم التعامل معها من قبل دول مثل الإمارات نظرًا لأهميتها في تأمين الملاحة في البحر الأحمر.
هذا النموذج قد ينطبق على حكومة الدعم السريع، حيث ستدفع القوى الإقليمية الداعمة لها نحو التعامل معها كشريك عملي لتحقيق مصالحها.
القبول الشعبي مرهون بالخدمات
على الصعيد الداخلي، يرى تورشين أن مستقبل الحكومة يعتمد بشكل كبير على قدرتها على كسب قبول المواطنين، والذي يرتبط بتقديم الخدمات الأساسية وتحقيق الأمن.
يواجه الدعم السريع تحديًا كبيرًا بسبب الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها في الماضي، مما يجعله مرفوضًا من قبل قطاع كبير من المدنيين.
ولكن، إذا نجحت هذه الحكومة المدنية الجديدة في توفير الأمن، وإعادة الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والكهرباء والمياه، فإنها قد تكسب ثقة المواطنين.
يرى تورشين أن المواطنين سينظرون في النهاية إلى الخدمات التي تُقدّم لهم؛ فإذا نجحت الحكومة في تحقيق ذلك، وقدّمت اعتذارًا عن الانتهاكات الماضية وأجرت مصالحات حقيقية، فإن الواقع قد يتغيّر تمامًا.
تحديات الفشل
في المقابل، يطرح تورشين سيناريو الفشل، سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي.
- خارجيًا: السيناريو الثاني هو عدم الاعتراف الرسمي بالحكومة الجديدة، حيث تعترف الأمم المتحدة والقانون الدولي بالحكومة السودانية القائمة باعتبارها الحكومة الشرعية. هذا من شأنه أن يمنع أي تأثير أو اعتراف دولي بالحكومة الجديدة. ويرى تورشين أن بعض الأطراف لديها مصلحة في أن يظل السودان موحّدًا، وستعمل بكل نفوذها لتحقيق ذلك.
- داخليًا: السيناريو الثاني هو فشل الدعم السريع في تقديم الخدمات، واستمرار الانتهاكات، وعدم قدرة المؤسسة العسكرية على ضبط أفرادها. ويرى تورشين أن فشل الإدارة المدنية السابقة التي شكّلها الدعم السريع في تحقيق أي إنجاز، إلى جانب استمرار ممارسات العنف القائمة على الولاء القبلي والعرقي، سيؤدي إلى رفض شعبي كامل، وفشل مشروعهم بشكل حتمي.
وفي ختام تحليله، يؤكّد الدكتور تورشين أن نجاح أي من السيناريوهين يعتمد على قدرة كل طرف على تسويق وترويج نفسه، سواء على المستوى الدولي أو المحلي، وتقديم دليل ملموس على قدرته على إدارة البلاد.
حكومتان لا تتمتّعان بالشرعية
ويرى ياسر عرمان، رئيس الحركة الشعبية – التيار الثوري، أنّه كان الأجدى لتحالف تأسيس أن يكتفي بتكوين إدارة مدنية، كما فعل الدكتور جون قرنق على مدى أكثر من عشرين عامًا، مع اختلاف التجربتين.
وقال إن تكوين حكومة سيضر بتحالف تأسيس قبل الإضرار بالسودان وتقسيمه، ودعا طرفي الحرب إلى الاتجاه نحو السلام بدلًا من تشكيل حكومتين لا تتمتّعان بالشرعية، ولا تستطيعان توحيد الشعب السوداني، وكلّما طال أمد الحكومتين ازدادت الضغائن والخراب والكراهية.
تحذيرات من التشظي
قال خالد عمر يوسف، القيادي في تحالف “صمود”: إن الخطورة في المشهد الحالي أنّ تقسيم الأمر الواقع الحاصل الآن ليس مستدامًا، فالمعسكران اللذان يقتسمان السلطة يفتقران للتماسك والتجانس، وداخلهما تناقضات كبيرة.
وأوضح أنّ هذا التقسيم هو خطوة أولى فقط نحو التشظّي وليس الانقسام فحسب. هذا التشظّي سيدفع ثمنه أهل السودان غاليًا؛ فدوامة الحروب والعنف والانقسامات ستستمر، بما تعنيه من موت ولجوء ونزوح ودمار لجميع أهل السودان، كما سيؤثر على دول المحيط.”