دكتورة زحل الامين المصدر مواقع التواصل الاجتماعي

دكتورة زحل الامين المصدر مواقع التواصل الاجتماعي

تقرير: عبد المنعم مادبو

كثُر في الآونة الأخيرة الحديث عن جريمة الاغتصاب كجريمة مصاحبة للاوضاع التي خلفتها الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في البلاد، وهي تعد واحد من الجرائم التي يمكن ان تصنف ضمن الجرائم ضد الانسانية التي ترتكب اثناء الحروب في حال تحولت من جريمة عادية الى جريمة مرتبطة باعتداءات جنسية ممنهجة تستخدم فيها النساء كأحد أسلحة الحرب التي تدور بين الاطراف المتنازعة.

وتقول دكتورة زحل الأمين استاذة القانون بجامعة النيلين ان القانون الجنائي السوداني عرف جريمة الاغتصاب في المادة 149 بانها اعتداء جنسي على “المرأة او الرجل او الطفل والطفلة” وبذلك قد يكون ضحايا هذه الجريمة كل المجتمع، لكنها أشارت الى ان عقوبتها في المادة 135 من القانون السوداني لا ترقى الى مستوى بشاعتها، وطالبت بأن يكون العقاب ليس السجن فقط وانما الاعدام لانها جريمة بشعة.

سمة حروب السودان

ذكرت دكتورة زحل- لبرنامج “في الميزان” الذي بثه راديو دبنقا- ان جريمة الاغتصاب اصبحت سمة من سمات حروب السودان ضحيتها “المرأة والاطفال والرجال” وقالت ان النساء استخدمن في هذه الحرب بين الجيش والدعم السريع كأحد الأسلحة في مخالفة لكل الاعراف والقوانين السودانية والدولية، وأضافت: فقد تعرضن النساء للاغتصاب والسبي والبيع والتهجير القسري واجبارهن على اخلاء منازلهن بقصد ازلال الرجال، وبالتالي قد يخشى الطرف الاخر على اعراضه ونسائه وحرماته ويغادر المكان ويترك كل ما يملك للنهب والانتهاك، وشددت على انه طالما استخدمت هذه الجريمة في اطار هذا المفهوم فيجب ان تكون هناك المزيد من التدابير غير التي ذكرت في القانون للتعامل مع هذه الجريمة.

حقوق مهدرة

دكتورة زحل نبهت الى ان القانون الجنائي السوداني اجاز للمرأة المغتصبة في المادة 135 ان تجهض الحمل الناتج عن الاغتصاب اذا رغبت في التخلص من الحمل في حال لم يتجاوز 90 يوماً، ودعت الى انه في ظل الحرب الدائرة الآن يجب ان تكون هنالك مرونة في التعامل مع الحالات المتعرضة للاغتصاب كسلاح من اسلحة هذه الحرب، وأضافت في اعقاب الاغتصاب وفي الاحوال العادية هنالك برتكول صحي يحتوي على مضادات للحمل وللامراض المنقولة جنسياً يعطى للضحية عقب الاغتصاب مباشرة لحمايتها، خاصة انه في ظل هذه الحرب قد تتعرض المرأة لاغتصاب من أشخاص قد يصلوا احياناً 10 اشخاص.

وذكرت انه في ظل الظروف الحالية قد يكون متعثراً الوصول لهذا البرتكول، بالتالي قد تتعرض المرأة لخطر الحمل القسري وقد تتعرض للاصابة بالامراض المنقولة جنسياً بالذات في ظل غياب الأجهزة الطبية التي توفر لها البرتكول وأجهزة العدالة التي تكفل لها حقوقها القانونية من “شرطة، نيابة، ومحاكم” وفي ظل السيولة الأمنية الناتجة عن الحرب.

وقالت: هذا الوضع لابد ان يواجه بأن تكون هناك مرونة في القانون، وان تصدر منشورات من قبل النائب العام ووزير العدل بإضافة حماية للمرأة تحت مظلة القانون ليتاح لها أن تجهض الحمل الناتج عن الاغتصاب في اي مرحلة من مراحله، وأن توفر لها بيئة آمنة بأن يتم اجلائها من المنطقة والسماح لمنظمات المجتمع المدني بالتدخل بصورة أكبر لضمان حصول هذه الضحية على حقوقها بصورة أفضل بقدر المستطاع في ظل ظروف النزاع.

أورنيك 8

ينص القانون السوداني في المادة 139 على ان تستخرج المرأة المغتصبة اورنيك 8 كي تحصل على العلاج، وتساءلت دكتورة زحل من اين تحصل الضحية على الارونيك في ظروف الحرب الحالية حيث لا توجد مستشفيات في اغلب الاحيان ولا توجد أجهزة قانونية لاستخراج هذا الاورنيك..؟ وطالبت بتجاوز هذا الاورنيك في الوقت الراهن، وأشارت الى ان هناك حملة يقمن بها مجموعة من النساء تحت عنوان “معا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي” وجهت مذكرة للنائب العام بأن يتم تجاوز الاجراءات القانونية العقيمة خاصة فيما يتعلق باورنيك 8 كي تتمكن النساء المغتصبات من الحصول على حقوقهن في العلاج او المقاضاة، وأعربت عن بأن يتم تجاوز هذا الاورنيك في هذه الظروف الامنية الحرجة التي تمر بها البلاد.

واشارت الى انه نتيجة لحالات الاغتصاب التي وقعت هناك حالات حمل قسري، ولم تستطع النساء التبليغ عن الجرائم وحماية انفسهن او امكانية اجهاض هذا الحمل، وأضافت “هناك نساء وصلن الان مرحلة اكتمال الحمل، واذا تم تقييدهن بالقانون بصورته الحالية سيكون هناك اشكالية في الحصول على حقوقهن والرعاية الطبية اللازمة، لذلك أرجو ان تتمكن هذه الحملة من النجاح في اقناع النائب العام ووزير العدل لاصدار منشورات تتيح للناس الحصول على حقوقهن من غير المرور باجراءات القانون العقيمة التي لا يمكن الوصول اليها في ظروف الحرب الان”

وقالت ان جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي وبيع النساء التي تم التوثيق لها تحتاج الى اجراءات استثنائية لحماية النساء لانها وقعت في ظرف استثنائي، وتابعت: لذلك اضم صوتي لكل الاصوات المنادية بتجاوز الاجراءات العقيمة، كي تتمكن النساء من الحصول على حقوقهن بالقدر اللازم كي يسطعن لاحقا من استعادة حياتهن والاندماج في المجتمع.

وسائل الاثبات

دكتورة زحل قالت ان اثبات جريمة الاغتصاب صعب لارتباطه بالشريعة الاسلامية، واذا فشلت الضحية في اثبات الجريمة قد تصبح هي متهمة بجريمة الزنا، وفقاً لوسائل الاثبات الواردة في القانون السوداني، وأضافت “يجب ان تكون هناك مرونة في الاثبات بحيث تستخدم الوسائل الحديثة من الDNA لاثبات الاغتصاب، وهذا لا يحتاج الى شهود وانما فقط بالتحاليل الطبية، كذلك شهادة المراة نفسها يجب ان يكون لها وزن أكبر من المتوفر الان، اضافة الى الظروف المصاحبة لارتكاب الجريمة ومكانها يجب ان تؤخذ بالاعتبار، حتى الجاني في الظروف العادية اذا لديه سجلات اجرامية يجب ان تؤخذ في الاعتبار، وأن لا يحول كل العبء الى المرأة بالطريقة التي تحتاج الى عدد من الشهود والتي قد لا تتوفر وقد تحول المرأة الى مذنبة.

القانون الدولي

يعد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية احد اهم المصادر المجرمة للاغتصاب،كما يجرم الاعتداء على كل الحقوق المدنية والسياسية للانسان ويمنع التعذيب والاعتداء على الحريات والحرمان ويكفل المحاكم العادلة لمن انتهكت حقوقهم حتى بالنسبة للمتهمين ناهيك عن الاشخاص الذين تم انتهاك حقوقهم، وتقول دكتورة زحل ان السودان وقع على هذا العهد في مارس 1986 وبالتالي اصبح لزاماً عليه الالتزام بما جاء فيه، على الرغم من انه لم يوقع على البرتكول الملحق بالعهد الذي يتيح اجراءات المقاضاة، لكن السودان ملتزم بموجب انضمامه للمعاهدات الدولية ان يصون الحقوق المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات، وان يكون ملتزم بحماية هذه الحقوق وان لم يصونها فسوف يجد نفسه في مواجهة المجتمع الدولي.

نظام روما

بعد صدور نظام روما الذي تشكلت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية أصبحت جريمة الاغتصاب محرمة في كل الاتفاقيات الدولية ومواثيق حقوق الانسان ومواثيق القانون الدولي الانساني خاصة المادة 7 الخاصة بالجرائم ضد الانسانية من نظام روما الاساسي لسنة 1998 انه اذا ارتكبت جرائم ضد الانسانية في اطار هجوم واسع النطاق او ممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين وعلى علم بهذا الهجوم تصبح هذه جريمة ضد الانسانية ويعاقب عليها وفقاً للمحاكم الجنائية الدولية ويمكن احالة المرتكبين اذا كانت الدولة لم تقم بمعاقبتهم داخل حدودها الوطنية بموجب القانون الوطني يمكن احالة هذا الوضع للمحاكم الجنائية الدولية.

وتشير دكتورة زحل الى انه وفقاً لهذا المفهوم لم تعد الجرائم ضد الانسانية، جرائم وطنية فقط وانما هي تسمى جرائم ضد الانسانية وليست ضد اشخاص معينين في بلد معين، وأن مرتكبي هذه الجرائم اذا لم تتم معاقبتهم في بلدهم يصبحون في مواجهة مع المجتمع الدولي، ويصبح له حق الاقتصاص من هؤلاء المتهكين، على الرغم من ان النظام الجنائي الدولي ونظام روما الاساسي تحديدا قائم على نظام التكاملية، بأن ينعقد الاختصاص بالمعاقبة على الجرائم للمحاكم الوطنية في الدولة المعينة، واذا اصبحت هذه الدولة غير قادرة او غير راغبة في محاكمة المتهمين يحال الوضع للمحكمة الجنائية الدولية، وأكدت انه في ظل الوضع الماثل الان في السودان يظل هذا الباب موارباً ومفتوحاً لاحالة هذه الجرائم كي يعاقب مرتكبوها اما المحكمة الجنائية الدولية.

وأشارت الى انه بعد احالة الرئيس السابق عمر البشير الى المحكمة الجنائية تم تعديل القانون في العام 2009 وأضيفت الجرائم ضد الانسانية في القانون الجنائي السوداني، لكن رغم ذلك تصنف الدولة في هذه الحالة الراهنة بأنها غير قادرة بسبب انهيار الاجهزة العدلية، ما يعني اذا استمر هذا الوضع في مناطق النزاع وان الاجهزة العدلية منهارة يستطيع الضحايا اللجوء الى نظام العدالة الدولي.

تفويض المدعي العام للجنائية

على الرغم من ان الادعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية يتحدث عن ان تفويض المدعي العام ينحصر على الوضع الراهن الآن في دارفور، وقال المدعي العام كريم خان انه بدأ بالفعل- منتصف العام الماضي بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع- التحقيق في جرائم ارتكبت في دارفور، لكن دكتور زحل قالت ان المدعي العام للمحكمة الجنائية بامكانه ان يحقق في كل السودان باعتبار انه يشهد جرائم ضد الانسانية، وهي جرائم تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية سواء ان كانت تمت باحالة كحالة دارفور او ان يحرك المدعي العام من ذات نفسه اجراءات للتحقيق اذا كانت هناك ادعاءات بان جرائم ضد الانسانية قد وقعت في مكان معين في العالم، واضافت “بالتالي الاختصاص موجود، لكن حسب نص نظام روما الاساسي ان ينعقد الاختصاص بداية بنظام التكاملية بأن تحال للقضاء الوطني اذا كان منهارا او الدولة غير قادرة لغياب او انهيار اجهزة العدالة او ليست لديها رغبة نتيجة للنظام السياسي القائم يؤيد هذه الجرائم ولا وليست لديه الرغبة في المعاقبة عليها او يتستر على الجناة اذا توفرت كل هذه العوامل يحول الوضع مباشرة الى القضاء الجنائي الدولي”

وذكرت  في نظام التكاملية قد تنعقد محاكم مختلطة او التحويل بالكامل للقضاء الجنائي الدولي، وأكدت ان كل هذه الاحتمالات واردة في ظل الانتهاكات الواردة الان في السودان، وكل الابواب مفتوحة تجاه تحقيق العدالة، وأن هناك فرصة كبيرة جداً لان تعمل العدالة الدولية في ظل السيولة الأمنية الآن في السودان، وفي ظل زيادة الانتهاكات التي اصبحت ممنهجة وبالتالي هي دخلت- بحسب دكتورة زحل- في اطار الجرائم التي يعاقب عليها القضاء الجنائي الدولي