النيل يجتاح مناطق في خمس ولايات .. وتضارب الآراء بشأن تأثير سد النهضة

الفيضان في منطقة ناوا بالشمالية-سبتمبر 2025 -وسائل التواصل


أمستردام: 29 ديسمبر 2025 – راديو دبنقا

اجتاح فيضان النيل اليوم منازل وأحياء سكنية وأراضي زراعية في إقليم النيل الأزرق وولايات سنار والجزيرة والخرطوم ونهر النيل والشمالية.

من جانبها، أصدرت الإدارة العامة لشؤون مياه النيل التابعة لوزارة الزراعة والري تنويهاً للمواطنين على ضفاف النيل باتخاذ ما يلزم لحماية ممتلكاتهم وأرواحهم، مشيرةً إلى استمرار ارتفاع المناسيب في جميع ضفاف النيل خلال هذا الأسبوع.

ونبَّهت الإدارة إلى انخفاض إيراد النيل الأزرق إلى 699 مليون متر مكعب يومياً، وتخفيض تصريف سد الروصيرص إلى 613 مليوناً، بينما بلغ تصريف سد سنار 688 مليون متر مكعب يومياً، في حين تجاوز تصريف جبل أولياء 130 مليوناً. أما تصريف سد خشم القربة فقد تجاوز 120 مليون متر مكعب يومياً، فيما تجاوز تصريف سد مروي 730 مليوناً.

وأشارت إلى محطات وولايات وأنهار بلغت منسوب الفيضان، وهي محطات: ود العيس (سنجة)، الخرطوم، مدني، شندي، عطبرة، بربر، جبل أولياء.
أما الولايات فهي: النيل الأزرق، سنار، الجزيرة، الخرطوم، نهر النيل، النيل الأبيض.
وأما الأنهار فهي: النيل الأزرق (الديم – الخرطوم)، النيل الأبيض (الجبلين – الخرطوم)، والنيل (الخرطوم – دنقلا).

لا علاقة لسد النهضة بالفيضانات

يرى المهندس أبوبكر مصطفى، استشاري السدود والبنى التحتية، في مقابلة مع راديو دبنقا، أن الأمطار الغزيرة الناجمة عن التغيرات المناخية هي السبب في الفيضانات، نافياً صلة سد النهضة بها. وقال إن الأمطار الغزيرة التي تشهدها البلاد منذ العام الماضي جاءت نتيجة مباشرة لظاهرة النينيو وارتفاع درجات الحرارة في المحيطات، ما رفع معدلات التبخر وأدى إلى اضطراب الفاصل المداري وتحركه شمالاً حتى أسوان في مصر.

وأضاف أن أمطار هذا العام تجاوزت في بعض المناطق 150 ملم يومياً، ما أدى إلى سيول جارفة اجتاحت كسلا، بورتسودان، دنقلا، وادي حلفا، عطبرة، شندي، وحتى الخرطوم وأم درمان. كما سجل نهر عطبرة تدفقات بلغت 550 مليون متر مكعب في أغسطس، وهو أكثر من ضعف معدله المعتاد. أما النيل الأزرق فقد كان في ذروة فيضانه، لكن امتلاء سد النهضة في إثيوبيا حال دون تفاقم الكارثة.

وأشار المهندس أبوبكر إلى أن سد النهضة كان مغلقاً في شهر أغسطس، مكتفياً بتصريف محدود عبر التوربينات. وهذا الإغلاق – بحسب قوله – أنقذ السودان من كارثة محتملة، إذ كان من الممكن أن تتجاوز التدفقات مليار متر مكعب يومياً إذا اجتمع فيضان عطبرة مع تصريف سد النهضة. وأضاف أن غياب التنسيق بين إثيوبيا والسودان، والاعتماد على معايير قديمة لإدارة السدود، فاقم الأزمة.

غمر قرية الرايات بمحلية سنجة -الهلال الأحمر

غياب التخطيط

انتقد الخبير غياب التخطيط العمراني وحماية ضفاف النيل، مشيراً إلى أن التعديات السكانية على مجاري الأنهار والسيول ساهمت في تفاقم الخسائر. كما لفت إلى ضعف استخدام السودان للتقنيات الحديثة مثل الأقمار الصناعية والرادارات المتاحة دولياً، واعتماده على بروتوكولات قديمة تفترض أن ذروة الأمطار تنتهي في منتصف سبتمبر، بينما أثبتت الوقائع أن الأمطار استمرت بغزارة حتى نهاية الشهر.

وشدّد المهندس أبوبكر على ضرورة تحديث أنظمة الرصد والإنذار المبكر، ووضع خرائط واضحة لمجاري السيول، ووقف التوسع العشوائي قرب النيل. كما دعا إلى تفعيل التعاون الإقليمي بين السودان وإثيوبيا ومصر لإدارة مياه النيل بما يخدم شعوب المنطقة.

توقعات بتراجع مستويات المياه

في المقابل، قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، لوكالة “أسوشيتد برس” (أ.ب)، اليوم الاثنين، إنه من المتوقع أن تتراجع مستويات المياه خلال الأسبوع الجاري.

وكانت إثيوبيا قد دشنت في مطلع الشهر الجاري سد النهضة، أكبر سد في أفريقيا، لتعزيز اقتصادها، وبلغت تكلفة السد الواقع على النيل الأزرق قرب الحدود مع السودان نحو 5 مليارات دولار. وأفاد مسؤولون بأنه سينتج أكثر من 5000 ميجاواط، ومن المتوقع أن يضاعف قدرة توليد الكهرباء لإثيوبيا.

غير أن البعض اتهم السد بالتسبب في الفيضانات التي يشهدها السودان حالياً. وقال شراقي لـ(أ.ب): “الوضع الحالي هو نتيجة لخطأ بشري”. وأضاف أن السودان يستفيد من تدفق مياه السد خلال الموسم الزراعي، إلا أن “الوضع الحالي يسبب ضرراً أكثر من النفع، نظراً لانتهاء موسم الحصاد تقريباً”.

وأشار شراقي إلى أن سد النهضة لم يتم تفريغه تدريجياً، بل خزن المياه خلال موسم الأمطار في إثيوبيا بين يونيو وأغسطس، ما حمّل السد عبئاً إضافياً. وأضاف أن التوربينات الأربعة التي كان من المفترض أن تساعد في تقليل المياه في الخزان فشلت في العمل، مما منع إثيوبيا من إطلاق المياه الفائضة، التي تدفقت بكميات ضخمة باتجاه السودان هذا الأسبوع.

نداء عاجل من جبل أولياء

وجهت غرفة طوارئ جبل أولياء نداءً عاجلاً، قالت فيه إن مناطق ضفاف النيل الأبيض بمحلية جبل أولياء تواجه خطراً حقيقياً بسبب ارتفاع منسوب المياه، التي اجتاحت جميع الحواجز على ضفاف النيل في عدة مناطق منها: “العسال – طيبة الحسناب – الشقيلاب – الكلاكلات”، وغمرتها مياه النيل المتزايدة لتشق طريقها إلى الأحياء السكنية ومنازل المواطنين التي باتت مهددة بالانهيار على ساكنيها.

وأكدت الغرفة أن منسوب المياه في تزايد مطرد، وأن كثيراً من المناطق باتت مهددة بالغرق التام.

الشقيلاب في محلية جبل أولياء-وسائل التواصل

أضرار في جنوب الجزيرة

من جانبه، كشف مبارك عبد الرحمن يعقوب، مدير الزراعة بوحدة ود الحداد الإدارية في ولاية الجزيرة، عن تضرر 1764 فداناً موزعة على 176 مزرعة بمنطقة قندال يستفيد منها أكثر من 238 مزارعاً، تنتج الخضروات والمنتجات البستانية مثل الورقيات والمانجو والموالح والموز، جراء فيضان النيل الأزرق في مناطق ديم المشايخة وأم دلكة وقندال بمحلية جنوب الجزيرة.

وأكد والي الجزيرة أهمية هذه المناطق في النهوض بالصادر البستاني وتحقيق الأمن الغذائي، وقال إن التغيرات المناخية ساهمت في الفيضان، معلناً دعم وتعويض المزارعين المتضررين.

وفي ولاية نهر النيل، شهدت المناسيب ارتفاعاً كبيراً في منطقة حجر العسل شمالي السودان. كما شهدت قرية ناوا شمالي دنقلا صباح اليوم سيولاً جارفة اجتاحت الأحياء السكنية وتسببت في أضرار مباشرة بالمنازل والبنى التحتية.

وأكد شهود عيان أن بعض المنازل انهارت جزئياً، فيما غمرت المياه مساحات واسعة من الأراضي الزراعية. كما أدى الفيضان إلى قطع الطريق القومي الرابط بين ناوا ودنقلا عند الكيلومتر 32 و34 بعد أن جرفت السيول أجزاء من الأسفلت، ما أدى إلى شلل حركة المرور وعزل عدد من القرى عن مركز الولاية.

الفيضان في منطقة ناوا بالشمالية

كما غمرت الفيضانات أجزاء من جزيرة بدين بالشمالية ومناطق في مروي بجانب تهديدها لجزيرة توتي.

أما في ولاية سنار، فقد اجتاحت مياه فيضان النيل الأزرق قرية الرايات بمحلية سنجة والمناطق المجاورة لها.

أما في النيل الأزرق فقد تضررت مساحات زراعية واسعة بالقرب من مدينتي قيسان والدمازين.

جهود لتفادي الفيضانات

من جهتها، أفادت إدارة خزان سنار بأنها بذلت جهوداً كبيرة لتفادي الفيضانات. وقال مدير الخزان، المهندس محمد الحاج محمد سند، إن الإدارة تعاملت مع كميات المياه الكبيرة بعد الزيادات التي رُصدت في الأحباس العليا للنيل الأزرق، مشيراً إلى التفريغ الجزئي للبحيرة حتى لا تتضرر المناطق المنخفضة خلفها.

وأشار سند إلى النشرات التحذيرية الصادرة عن الإدارة العامة لشؤون مياه النيل بوزارة الري بشأن هذه الزيادات، لافتاً إلى أن كميات المياه الواردة في السنوات الماضية كانت تتركز في النصف الثاني من أغسطس حتى الأسبوع الأول من سبتمبر.

وأكد أن تشغيل سد النهضة خلق أزمة جديدة في وارد المياه، مشيراً إلى عدم توافر المعلومات الكافية حولها، حيث تمت المعالجة عبر محطات القياس بعد دخول المياه إلى السودان. وناشد المواطنين القاطنين بالقرب من النيل والمناطق المنخفضة ومناطق الهشاشة أخذ الحيطة والحذر، مطمئناً إياهم بأن هذه الزيادة لن تستمر لأكثر من ثلاثة أيام، لتعود بعدها المياه إلى معدلها الطبيعي.

Welcome

Install
×