السُّودانِيُّون والتفريطُ في حسم المُتأسلمين !!

في خضم انشغال السُّودانيين بالأزمات المصنوعة والمُتلاحقة، أصدرت إحدى المحاكم (الإسْلَامَوِيَّة)، حُكماً ببراءة المُجرم (المُتأسلم)، علي عثمان مُحمَّد طه وبعض أزلامه، من جميع التُهَم التي (تظاهروا) بتوجيهها لهم، في ما يخص الفساد ومُخالفات المال العام، وذلك لعدم كفاية الأدلة حسب زعم المحكمة (المهزلة)!

د. فيصل عوض حسن

 بقلم: د. فيصل عوض حسن

 

في خضم انشغال السُّودانيين بالأزمات المصنوعة والمُتلاحقة، أصدرت إحدى المحاكم (الإسْلَامَوِيَّة)، حُكماً ببراءة المُجرم (المُتأسلم)، علي عثمان مُحمَّد طه وبعض أزلامه، من جميع التُهَم التي (تظاهروا) بتوجيهها لهم، في ما يخص الفساد ومُخالفات المال العام، وذلك لعدم كفاية الأدلة حسب زعم المحكمة (المهزلة)!

إطلاقاً لم اندهش من هذه المهزلة، بل تَوقَّعتُ وما أزال أكثر من ذلك، لأنَّني لم أُصَدِّق أبداً أقاويل/تمثيليَّات (سُقُوط) المُتأسلمين، أو اعتقالهم ومُصادرة ما نهبوه، أو مُحاكماتهم الصُوُرِيَّة وغيرها من الدرامات، وحَذَّرتُ – في مقالاتٍ مُفصَّلة – من الوقوع تصديق هذه الأكاذيب، وقلتُ بأنَّ العصابة الإسْلَامِوِيَّة ما تزال تحكم السُّودان، عبر أزلامهم من العَسْكَر/الجنجويد، بتنسيقٍ مفضوح مع حمدوك والقحتيين، الذين (خانوا) ثِقة السُّودانيين وعَطَّلوا حِراكهم النَّبيل، وأضاعوا الفرصة التاريخيَّة (الأبرز) لإعادة بناء السُّودان، على أُسُسٍ علميَّةٍ وإنسانِيَّةٍ وأخلاقِيَّةٍ وقانونِيَّةٍ سليمة. ورغم هذه قناعتي الرَّاسخة بوجود المُتأسلمين، لكنَّني أشعر بصدمة كبيرة من استسهال الغالِبِيَّة لهذه الخيانة المفضوحة، ودَلالاتها/رسائلها الظَّاهرة والمُبَطَّنة، والتي تُثبت جُرأة المُتأسلمين وأزلامهم، و(استخفافهم) بتضحيات السُّودانيين العظيمة، ورغبتهم (المشروعة) في القصاص من الكيزان، ومُحاسبتهم ومُحاكمتهم على جرائمهم المُتراكمة.

 

هذا الحدث وما سبقه من أحداث، وما قد يليه، يفضح ما يُسمَّى الجهاز القضائي، ويُثبت (افتقاده) للنَّزاهة والأمانة، وبالتالي عدم الاعتداد بأحكامهم أو الوثوق فيها، وإلا كيف يُحاكمون مُجرم دَمَوي، كعلي عثمان، بهذه التُهَم التافهة من أساسه، ثُم يُبرِّئونه منها بهذه البساطة والبرود؟ كيف يتجاهلون جرائمه العُظمى ضد السُّودان وأهله؟ ألم يسمعوا ويُشاهدوا إقرارات الهالك الترابي (عَرَّاب المُتأسلمين)، بشأن تحريض علي عثمان وإشرافه المُباشر على مُحاولة قتل الرئيس المصري الأسبق مُبارك بأديس أبابا؟! والأموال الطَّائلة التي أهدرها في هذه الجريمة؟! والأخطر من ذلك، الانعكاسات المُترتِّبة عليها والتي تَحَمَّلها الشعب السُّوداني وحده! فحتَّى ينجوا المُتأسلمين بأنفسهم، ويفتدوا المُجرم علي عثمان وأزلامه، تَجَاهلوا تَغَلْغُل الإثيوبيين الذي لم يَتوقَّف على الفشقة، وإنَّما امتدَّ ليشمل إقامة قُرى كاملة في منطقة الدِنْدِر. كما تَرَاخى المُتأسلمون تجاه الاحتلال المصري لكامل مُثلَّث حلايب وأجزاء واسعة من أراضينا النُوبِيَّة، فضلاً عن عَبَث الجَرَّافات المصريَّة بمياهنا الإقليميَّة في البحر الأحمر، بخلاف الأراضي والثروات السُّودانِيَّة التي أتاحوها للمصريين، وهذا كله لإنقاذ المُجرم علي عثمان وأعوانه بالعصابة الإسْلَامَوِيَّة، تبعاً لتَوَرُّطهم في مُحاولة اغتيال الرئيس المصري مبارك! وهناك (تحريضه) السَّافر والمُوثَّق (صوت وصورة)، لقتل وقمع الشعب السُّوداني، على نحو مقولته المشهورة (Shoot to kill)، أو تهديداته باستخدام كتائب الظِل لإيقاف المَد الثوري المُتنامي. بخلاف إيعازه/إشرافه على التعذيب ببيوت الأشباح، وجلب الحاويات المشبوهة وتجاوزات المصارف والبنوك وامتلاك العقارات وغيرها.

هذه مُجرَّد نماذج لجرائم المُتأسلم، علي عثمان، وأي واحدة تُحتِّم إعدامه الفوري، وليس توجيه تُهَم تافهة ومنقوصة، ومليئة بالثغرات القانونِيَّة والإجرائِيَّة، حتَّى يُتيحوا له البراءة والاحتفاء بالنحو الاستفزازي الذي رأيناه، والذي سيتكرَّر حتماً إذا استمرَّت (غفلتنا/استسهالنا) لمُمارسات المُتأسلمين وأزلامهم! فعلي عثمان لم يكن الأوَّل ولن يكون الأخير، فقد سبقه عبدالله البشير الذي أُشيع بأنَّه (هَلَك)، حينما تمَّت تبرئته في قضيَّة شواهق، وهناك يُوسُف كِبِر وعبد الباسط حمزة ووالي سِنَّار الأسبق وبعض مُعاونيه، بمن فيهم وزير ماليته، وآدم الفكي الطيب والحاج عطا المَنَّان وغيرهم. بل هناك المُؤسَّسات، خاصَّةً الاقتصادِيَّة والإعلامِيَّة، ما تزال تعمل تحت إشراف المُتأسلمين وأزلامهم، وهي جميعها مُعطيات تؤكِّد أنَّهم (لم يسقطوا)، رغم تمثيليات الاعتقال والمُحاكمات (الصُورِيَّة)، وضجيج/تضليلات ما يُسمَّى لجنة التمكين وصراعاتها (الهايفة)، لإلهائنا عن الحقائق (القاسية) وتشتيت قُوَّانا عن التغيير الحقيقي، على نحو دراما الاعتقال الأخير لأعضاء ما يُسمَّى لجنة إزالة التمكين وبعض رموز قحت، بالتزامن مع جريمة تبرئة المجرم القاتل علي عثمان، والتي لم ينتبه إليها الكثيرون، بفعل الإلهاءات المُتلاحقة.

 

يقيني الرَّاسخ أنَّ تبرئة المُجرم علي عثمان، عبارة عن رسالة إسْلَامَوِيَّة لقياس ردود أفعالنا، فإذا (اسْتَخَفَّينا) بهذه الرسالة سيُكرِّرون (سَفاهاتهم)، ويُبرِّئون بَقِيَّة رؤوس الفجور الإسْلَامَوِي تباعاً، والذين أشك أساساً في (اعتقالهم) ناهيك مُحاكمتهم، فمن يتجَرَّأ ويُبرِّئ علي عثمان رغم جرائمه المشهودة، لن يتردَّد في إعلان تبرئة البشير (رأس الفجور)، ولنتأمَّل في تصريحاتهم (الاستفزازِيَّة) ووقاحتهم المُتزايدة هذه الأيَّام، وجميعها مُؤشِّرات ودلالات على اعتقادهم بأنَّهم انتصروا، واطمأنُّوا لـ(ظهورهم) العلني مُجدَّداً. والواقع أنَّ المُتأسلمين ما كانوا سيفعلون ذلك، لولا تَخاذُل حمدوك وقحتيُّوه في مُحاسبتهم ومُحاكمتهم، الذين خانوا ثقة الشعب السُّوداني، وتجاهلوا نضالاته وتضحياته، وهذا يجعلهم في مكانةٍ واحدةٍ مع الكيزان، إنْ لم نقُل أسوأ منهم، لأنَّنا أوشكنا على اقتلاع الكيزان تماماً لولا ما يُسمَّى تَجمُّع مهنيين، الذي قفز فوق حراك ديسمبر 2018، ثُمَّ قام بتشكيل مجموعة قحت، التي بذلت كل مافي وُسعها لخدمة المُتأسلمين وأزلامهم العَسْكَر/الجنجويد، حتَّى بلغنا الأوضاع المُفزعة التي نحياها الآن، وهذه أمورٌ فَصَّلتها في عددٍ من المقالات ولا يسع المجال لذكرها.

 

إنَّ السكوت على (سَفاهات) المُتأسلمين وأزلامهم، يعني إهدار دماء وبطولات شعبنا الأبي، وتراخينا في حسمهم وقبول وجودهم في حياتنا، يعني المزيد من الدمار والحسرة والنَّدامة، و(الموت) جوعاً وفقراً وذِلَّة ومَهَانة وتشريد. فالموت سيحدث في الحالتين، سواء سكتنا أو واصلنا النضال، ولكن الفرق أنَّ استمرار التصعيد والحشد الشعبي سيكون مُقابله الحُرِّيَّة والانعتاق، وإيقاف الموت والدمار نهائياً، أمَّا التراخي فيعني استمرار الموت بلا مُقابل.

 

لنترك مُبادرات الخِزي والعار، ونُكثِّف التصعيد الثوري في جميع بقاع السُّودان، ونُعزِّز تحالُفنا وتَرابُطنا الشعبي، ونمنح ثقتنا كاملة للشباب الثوري (أصحاب الوَجْعَة) الحقيقيُّون، وندعمهم بكل قُدراتنا وطاقاتنا، باعتبارهم صُنَّاع التغيير الفعليُّون والبديل الأمثل لإدارة وتسيير السُّودان، وهذا مُمكنٌ جداً إذا توفَّر التنظيم المُتماسك والتخطيط السليم والمدروس.

 

مُلاحظة: عقب انتهائي من هذه المقالة، قرأتُ خبراً عن (محكمة/مهزلة) انقلابيي 1989، ومفاد الخبر أنَّ سبدرات (مُحامي البشير وكيزانه)، يعترض على بيان الانقلاب ويُشكِّك في (صِحَّته)، رغم أنَّ البيان أحضره المُتحرِّي من إذاعة السُّودان الرسميَّة، بخلاف عدم الحاجة للبيان من أساسه لأنَّنا عشنا الانقلاب كواقعٍ مُعاش لا يُمكن إنكاره، ونتجرَّع الآن انعكاساته الكارِثِيَّة بمَرارةٍ وألم.