السودان.. تضارب وغموض وضغوط دولية تزيد تعقيدات الأزمة السياسية

بين تسريب وتسريب مضاد يضطرب المشهد السوداني، وسط تكاثف الضغط الدولي والإقليمي على الأطراف لتغيير توازنات القوى التي انقلبت رأسا على عقب منذ 25 أكتوبر المنصرم، حين فض القادة العسكريون شراكتهم مع المكون المدني وانخرطوا منفردين في حزمة إجراءات قالوا إن القصد منها تصحيح المسار الانتقالي.

 

بقلم : مزدلفة عثمان

 

 بين تسريب وتسريب مضاد يضطرب المشهد السوداني، وسط تكاثف الضغط الدولي والإقليمي على الأطراف لتغيير توازنات القوى التي انقلبت رأسا على عقب منذ 25 أكتوبر المنصرم، حين فض القادة العسكريون شراكتهم مع المكون المدني وانخرطوا منفردين في حزمة إجراءات قالوا إن القصد منها تصحيح المسار الانتقالي.

ومثل البيان المشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات يوم الأربعاء نقطة تحول ملفتة في اتجاه تكثيف الضغوط على المكون العسكري لإرغامه على التراجع عن خطواته التي أربكت المشهد السوداني على نحو عنيف، لا سيما اعتقال وزراء نافذين، ووضع رئيس الحكومة عبد الله حمدوك قيد الإقامة الجبرية، علاوة على فرض حالة الطوارئ والشروع في عمليات إحلال وإبدال في العديد من المؤسسات المدنية.

ودعت الدول الأربع إلى العودة الكاملة والفورية للحكومة والمؤسسات الانتقالية بقيادة المدنيين في السودان، وحثت على إنهاء حالة الطوارئ والإفراج عن جميع المحتجزين، مع الالتزام بالوثيقة الدستورية واتفاق جوبا للسلام كأساس لمزيد من الحوار حول كيفية استعادة ودعم شراكة مدنية وعسكرية حقيقية لما تبقى من الفترة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات.

ضغط ودعم

ويعد البيان الرباعي أعلى درجات الضغط الذي يواجهه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، خاصة أنه دحض التسريبات التي كانت تتحدث عن حصول البرهان على ضوء أخضر من القاهرة والرياض وأبو ظبي لتنفيذ مخططه بحكم الوشائج القوية التي تربطه بقادة هذه الدول، في حين مثّل غياب مصر عن البيان علامة استفهام أجابت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال" حيث تحدثت أمس الأربعاء عن مباركة القيادة المصرية وجهاز مخابراتها لقرارات البرهان وتشجيعه عليها عبر لقاءات سرية شهدتها القاهرة والخرطوم قبل تنفيذ المخطط بأيام، حسب الصحيفة.

ومع أن بيان الرباعية تجاوز تسمية عبد الله حمدوك ليكون قائدا للمشهد من جديد، فإن القوى المدنية في السودان رأت في موقف هذه العواصم قوة دفع كبيرة لتتمسك بمواقفها حول مطالبها الأساسية برفض التفاوض مع العسكريين قبل إطلاق الوزراء المعتقلين، ومنح الحرية الكاملة لحمدوك في التحرك والتواصل والعودة إلى ما قبل 25 أكتوبر كمدخل لبدء مشاورات جديدة مع العسكريين حول ما يجب أن تكون عليه المرحلة المقبلة.

والأمر اته يؤكده القيادي في حزب المؤتمر السوداني نور الدين صلاح الدين بالقول إن بيان الدول الأربع منحاز بشكل واضح لمطالب المدنيين بدعوته للعودة الكاملة للحكومة المدنية؛ مما يفهم منه إعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وإن لم يسمه البيان صراحة.

ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن البيان عزز موقف المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير برفض التفاوض مع المكون العسكري ما لم يعدل البرهان عن قراراته، وأن بيان الدول الأربع منح المجلس مسوغا إضافيا لعدم التراجع عن مواقفه.

وفي المقابل، يبدو أن المكون العسكري ماض في ترتيباته بعيدا عن الضغوط المتعددة التي يواجهها داخليا وخارجيا، إذ أبلغ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مبعوث الاتحاد الأفريقي أوليسون أوباسانغو خلال اجتماعهم أمس الأربعاء؛ أن إعلان الحكومة بات وشيكا، وأشار إلى حرصه على إكمال الهياكل الانتقالية وصولا إلى الانتخابات في يوليو 2023، لكن نور الدين يشكك في إعلان قريب للحكومة قائلا إن البرهان الذي نفذ انقلابه لم يكن مستعدا لأي خطوة لاحقة، ناهيك عن تشكيل حكومة، وإلا كان أعلنها بعد يوم أو يومين من تلك القرارات، ومع ذلك لا يستبعد القيادي في حزب المؤتمر تمادي البرهان في مواقفه من دون اكتراث لكل المناشدات والضغوط والعمل بقوة دفع داخلية وخارجية لخلق مشهد مغاير.

ويضيف "لكن يجب أن يعلم البرهان أن السودان ليس مصر التي حظي فيها السيسي بدعم واضح داخلي وخارجي، في حين واجه البرهان ملايين السودانيين الذين خرجوا اعتراضا على خطواته؛ مما يعني أن أي قرار سيقابل برفض شديد ليزيد الوضع قتامة.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين مصعب محمد علي أن موقف الدول الأربع من شأنه التأثير على البرهان لتسريع تشكيل الحكومة، ويعجل بتسوية جديدة تؤدي إلى قيام مؤسسات الحكم الانتقالي مرة أخرى، كما يدعم موقف الدول الأربع في الوساطات الحالية لتحسين العلاقة بين المدنيين والعسكريين، خاصة أن تركيز هذه الدول انصب على تكوين حكومة مدنية من دون تحديد أشخاصها، وهو ما يدفع باتجاه نقل الأوضاع إلى مشهد جديد بشركاء وحاضنة جديدة، إلا أن هذا الوضع -كما يقول مصعب- يواجه برفض الشارع الذي لا يمكن أن يقبل حاضنة جديدة من دون أن يتأكد من أنها تحقق مطالبه في الحكم المدني والتحول الديمقراطي.

ويقول الأستاذ الجامعي "إذا تم تكوين حكومة أخرى بعيدا عن عبد الله حمدوك قد تواجه برفض كبير وعدم تعاون، وهذا سينقل المشهد إلى حالة أكثر تعقيدا مما هي عليه الآن.

وفي غضون ذلك، تتقاطع التصريحات بشأن قرب التوصل لتفاهمات على ضوء الوساطات التي تنشط هنا وهناك لتقريب وجهات النظر بين الأطراف من دون نتائج ملموسة، في حين قالت مصادر موثوقة للجزيرة نت إن حمدوك يبدو أقرب للعودة للمشهد، وإن البرهان ينتظر موافقته، لكن في الوقت نفسه فإن الأخير يدرس ترشيح شخصيات أخرى لرئاسة الحكومة.

وقال توت قلواك المستشار الأمني لرئيس دولة جنوب السودان ورئيس فريق الوساطة الجنوب سودانية إنه "رتّب للقاء اليوم الخميس يجمع القائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك لبحث تطورات الأزمة السودانية".

وحسب المصادر، فإن حمدوك لا يمانع في العمل مع حكومة تكنوقراط، لكن بعد إلغاء كافة القرارات التي اتخذت في 25 أكتوبر الماضي، على أن يتم العمل مع المكون العسكري وفقا لشروط وأسس جديدة تضمن عدم الانقلاب على الحكم المدني مرة أخرى.

وعلى الأرض لا تلوح بوادر وشيكة لحل الخلافات؛ فرغم تصريحات توت غلواك مستشار رئيس جنوب السودان للجزيرة أمس الأربعاء بأن البرهان تحدث معه عن الإفراج عن بعض المعتقلين وإكمال إطلاق آخرين خلال 24 ساعة؛ يقول نور الدين صلاح الدين إنه لم يتم الإفراج عن أي من قادة حزبه حتى صباح الخميس، باستثناء عدد من المعتقلين في بعض الولايات الذين أفرج عنهم أمس الأربعاء لتقديرات السلطات المحلية هناك من دون أن يمت ذلك بصلة للوساطات الجارية، وفق تأكيده.

وعلى عكس ما أشيع عن اجتماع لمبعوث الأمم المتحدة في السودان فولكر بريتس بقادة المجلس المركزي للحرية والتغيير وتصريحه بأن اتفاقا أوشك على الاكتمال بين المدنيين والعسكريين، فإن تأكيدات حصلت عليها الجزيرة نت أشارت إلى عدم عقد أي اجتماع في هذا الخصوص، وأن المبعوث الأممي تحدث أمس الأربعاء لمجموعة من الصحفيين لتبادل الآراء حول التطورات الأخيرة، وشرح مساعي البعثة للتواصل مع أصحاب المصلحة المحليين والدوليين لضمان تنسيق المبادرات وتخفيف حدة التوتر في المشهد السوداني، كما تحدث المسؤول الأممي عن أنه كرر طلبه بضرورة الإفراج عن المعتقلين والسماح له بمقابلتهم، لافتا إلى أن بوادر التسوية يمكن الوصول إليها، لكنه أشار إلى أنه لا يمكنه التنبؤ بتوقيت قاطع للوصول إليها.