الدور الكندي في السودان.. من الدبلوماسية الناعمة إلى العقوبات الرمزية.!!

أمستردام: الاربعاء 17 / أبريل/ 2024: راديو دبنقا

تقرير: سليمان سري

بعد مرور عام على الحرب الدائرة في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والتي خلفت أكبر أزمة إنسانية في العالم، بدأ الجميع يبحث عن دور يعزز وجوده بممارسة الضغوط للمساهمة في وقف الحرب وتحقيق السلام.

بدأ المجتمع الدولي، الذي أدار ظهره للأزمة السودانية، خطواته ببطء باستخدام لغة الدبلوماسية الناعمة أو الهادئة، ولعب دور الوساطة، ثم أخيرًا مع تعنت طرفي الحرب، أيضًا بالتمادي في استمرارها توسيع رقعتها لتمتد إلى المناطق الآمنة، انتقل موقف المجتمع الدولي إلى مربع العقوبات، والتي كانت مرتبطة بالإدارة الأمريكية منذ تسعينات القرن المنصرم بتطبيقها على نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.

لكنها انتقلت من الولايات المتحدة إلى بريطانيا والاتحاد الأوربي وجميع تلك الدول فرضت عقوبات على شركات وأشخاص من طرفي الصراع، ثم دخلت كندا على خط العقوبات، وعلى نحو مماثل لمواقف تلك الدول، أعلنت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي، الاثنين، عن عقوبات كندية لذات الأشخاص والجهات، ضمت ستة أفراد وكيانات تتبع للجيش والدعم السريع بتهمة تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان.

وشملت قائمة الأفراد الخاضعين للعقوبات قائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، والأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي بجانب شركة الجنيد، وشركة جي إس كي  اللتان تتبعان لقوات الدعم السريع ومنظومة الصناعات الدفاعية وشركة زادنا الدولية للاستثمار المحدودة اللتان تتبعان للجيش.

ضغوط اليسار

السفير السوداني السابق بكندا طارق حسن أبو صالح يرى أن التدخّل الكندي جاء متأخراً، ويقول في حديثه لـراديو دبنقا إنَّ كندا في العادة تميل لاستخدام الدبلوماسية الناعمة، ولكنه يرى أن دوافع فرض العقوبات على أفراد وكيانات اقتصادية سودانية والذي أعلنت عنه وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي بعد أشهر من انتقاد الحزب الديمقراطي الجديد الـيساري التوجه والمعارض في مجلس العموم (البرلمان).

  فضلاً عن الضغوط التي مارسها خبراء في الشؤون الإفريقية لحكومة جاستين ترودو الليبرالية لعدم حذوها حذو الدول الأُخرى، كالولايات المتحدة الأمريكية في فرض عقوبات على من وصفوهم بالذين يعملون على تمكين أمراء الحرب في السُّودان.

 والملفت، برأي أبو صالح، أن هذه الخطوة جاءت تزامناً مع فرض الحكومة البريطانية عقوبات على كيانات اقتصادية سودانية في ذكرى مرور عام على اندلاع الحرب في السُّودان. ويضيف: في اعتقادي ليس هناك أثراً اقتصادياً يُذكر من فرض العقوبات الكندية على أفراد وكيانات سودانية، فليس هناك تعاملات مالية أو اقتصادية بين كندا وهذه الجهات حسب علمي، ولكنه استدرك بأن يكون هناك آثاراً سياسية ودبلوماسية.

ويتفق الخبير في السياسات العامة والاقتصاد السياسي بروفسير أحمد مصطفى الحسين مع رأي السفير طارق ويضيف، بأن مثل هذه العقوبات التي فرضتها حكومة كندا، هي إجراءات مظهرية وقلل منها بأن لا أثر حقيقي لها على الجهة المعاقبة، ناهيك أن تكون لها علاقات اقتصادية مع كندا.

التنقيب عن الذهب

 ويقول بروف الحسين لـ”راديو دبنقا” يبدو أن هذه العقوبات الهدف منها الضغط على هذه الأطراف لإيقاف الحرب. لكنه يرى أنه ليس هناك تعامل يذكر، أو معروف لقائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، أو علي كرتي بجانب شركة الجنيد، وشركة جي إس كي  اللتان تتبعان للدعم السريع ومنظومة الصناعات الدفاعية وشركة زادنا الدولية للاستثمار المحدودة اللتان تتبعان للجيش، مع كندا ولم يسمع أحد بشركة جى إس، التابعة لقوات الدعم السريع.

وأعرب عن اعتقاده بأن هذه العقوبات ليس لديها دور بخلاف ما وصفه بالدور الرمزي والشكلي والذي يوحي بأن كندا تشارك تلك الدول في هذا العمل “العقوبات” أو تريد أن تساند الشعب السوداني، وكندا نفسها بعيدة من المشكلة السودانية ولم تكن لها مصالح أو علاقة وثيقة بالسودان غير ارتباطها بقضايا التنقيب عن الذهب.

ويقول “بعد اكتشاف الذهب في السودان دخلت بعض الشركات الكندية للتنقيب عنه في أخريات عهد الإنقاذ، ودخلت شركات كندية أخرى للاستثمار الاقتصادي في السودان، بخلاف ذلك ليس لدي لدى كندا دور كبير مثل الولايات المتحدة وحتى الإدارة الأمريكية لم تعد مهتمة كثيرًا بالسودان. خاصة أعقاب تصاعد الأزمة في غزة وإيران تم تهميش السودان فلم يعد من أولويات واشنطن.”

العلاقات بين البلدين

غير أن السفير السوداني المستقيل يخالف بروف الحسين الرأي في هذه الجزئية خلال استعراضه لطبيعة العلاقات بين كندا والسُّودان ويقول بأنها بدأت تشهد تطورات كبيرة في أعقاب سقوط نظام الإنقاذ، إذ أسهمت كندا بتقديم مساعدات تنموية، ويقول إنَّها قدّمت دعماً مُقدّراً للسُّودان من خلال منبر أصدقاء السُّودان وشاركت بفعالية في برنامج دعم الأسر (ثمرات)، كما خصّصت صندوقاً لدعم المشاريع الاقتصادية وأودعت فيه 19 مليون دولار كبداية وكانت تنوي توسيع هذه الصندوق بما يعيد لكندا تاريخها في دعم مشاريع التنمية في السُّودان عبر الوكالة الكندية للتنمية الدولية. مثل مشروع تحديث الزراعة المطرية سمسم بولاية القضارف.

ويؤكد أبو صالح أن كندا أسهمت في دعم السُّودان في الطوارئ فمثلاً قدّمت دعمًا مقدرًا لمساعدة السُّودان في مواجهة جائحة كورونا، وكذلك لتدارك أثار السيول والفيضانات عامي 2020 و2021م. بيد أنه عبر عن أسفه لتوقف كل تلك المشاريع الكندية في السُّودان بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 بقيادة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

بعد الحرب، قدّمت كندا العام الماضي 170 مليون دولار لمساعدة النازحين في السُّودان واللاجئين في دول الجوار، كما أعلن وزير التعاون الدولي أحمد حسين تقديم مبلغ 132 مليون دولار عشية المؤتمر الدولي حول السُّودان الذي عُقد في باريس يوم أمس تزامناً مع مرور عام على اندلاع الحرب في السُّودان.

تعاقدات الدعم السريع

ويواصل السفير أبو صالح في حديثه لـراديو دبنقا حول تعاقد الدعم السريع مع شركة كندية ومدى تأثير العقوبات على الطرفين ويقول “صحيح فقد تعاقد قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” عندما كان نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي مع شركة ديكينز آند مادسون Dickens & Madson الكندية للعلاقات العامة وصاحبها إسرائيلي اسمه آري بن ميناشي Ari Ben Minashe بهدف تحسين صورة المجلس العسكري الانتقالي والترويج له في الولايات المتحدة وكندا ودول الغرب والتزويد بالأسلحة وخلافه، وكان ذلك شهر يونيو 2019م. عندما كشفت صحيفة  The Globe and Mail الكندية هذا الأمر، وتمكنا من الحصول على صورة العقد، أوضحنا حينها خطورة هذا الأمر وأوصينا بعدم توقيع أي جهة حكومية حتى ولو كانت سيادية لأي عقد مع جهة خارجية دون الرجوع للسفارات.

مصالح متصارعة

وبالعودة للخبير في السياسات العامة والاقتصاد السياسي بروفسير أحمد مصطفى الحسين الذي قطع بأن الدول التي فيها حروب أهلية لم تؤثر فيها العقوبات وأرجع السبب في ذلك إلى أن هنالك مصالح متصارعة في نفس هذه الدول التي تفرض هذه العقوبات، مؤكدًا أنها لن تؤثر على الأطراف المعاقبة كثيرًا ولن تقنعها أن تغير رأيها أو تغير مسار الحرب في السودان.

ويؤكد أنه لا يعرف لشركة زادنا أي تعاملات اقتصادية كبيرة في كندا بحيث أنها تؤثر عليها اقتصاديًا ولا حتى الشركات التابعة لمنظومة الدفاعات الصناعية، التابعة للجيش، ويقول إنَّ العقوبات لم تحدد المصالح الاقتصادية التي تتأثر بها الشركات أو الأشخاص المعاقبين.

ويرى أنه دائما ما تصدر هذه القرارات بشكل معمم دون أن تحدد طبيعة الأعيان التي ستقع عليها هذه العقوبات.

عقوبات رمزية

وخلص بروفسير أحمد مصطفى الحسين خبير الاقتصاد السياسي، إلى أن في الغالب أن الهدف من تلك العقوبات هو مسألة رمزية تحاول الحكومة الكندية أن تشارك بها في العمل الدبلوماسي الذي يجري الآن، لأنه دائمًا يكون في البلد نفسه الذي يفرض العقوبات يحاول أن يحرص ألا تتأثر الجهات الداخلية في تلك الدولة أو تتضرر من تلك العقوبات. بحيث لا تمس جهات متنفذة في الدولة التي تصدر العقوبات مثل كندا نفسها.

وأبرز مثال لذلك، كما يوضح بروف الحسين، العقوبات الأحادية التجارية التي فرضتها الإدارة الأمريكية على السودان، تجنبت فرض عقوبات على الصمغ العربي، لأن شركات بيبيسي كولا والكوكاكولا، وشركات إنتاج الأدوية والحلويات وغيرها من الشركات المتنفذة الأمريكية الكبيرة تعتمد عليه بشكل أساسي في صناعاتها.