إغلاق المستشفيات النفسية في السودان يفاقم الآثار النفسية وسط ضحايا الحرب

مستشفى التجاني الماحي للأمراض النفسية- المصدر: وكالة السودان للأنباء

بورتسودان: 4 ابريل 2024: راديو دبنقا

“أشرفنا على علاج نازح لم يذق طعم النوم لمدة 15 يوماً بتاتاً بسبب هول ما رأى خلال الحرب الدائرة” تقول المستشارة لبنى علي رئيسة منظمة بت مكلي ومديرة مركز قادرين لعلاج الإدمان لراديو دبنقا مشيرة إلى أن الحرب التي شارفت على إكمال عامها لأول أدت لصدمات واضطرابات نفسية.

وتسببت الحرب الدائرة في البلاد، والتي شارفت على إكمال عامها الأول، في آثار نفسية بالغة خاصة للذين تعرضوا لاعتداءات وانتهاكات مباشرة، أو فقدوا ذويهم، أو تعرضوا للهلع والذعر الشديدين بسبب دوي القصف أو المشاهد المروعة مثل الجثث المتناثرة في الطرقات، كما تأخذ الصدمات أشكال مختلفة لدى الأطفال مشيرة إلى أن أحد الأطفال ظل يتساءل عن العابه.

آلاف الناجين

وأوضحت المستشارة لبنى علي رئيسة منظمة بت مكلي ومديرة مركز قادرين لعلاج الإدمان لراديو دبنقا إنهم قدموا الخدمات العلاجية ل 6319 حالة في تسع ولايات منذ اندلاع الحرب، ولفتت إلى أن من بينها 70 في المائة منها حالات اضطرابات نفسية، و10 في المائة اغتصاب، و20 في المائة حالات إدمان على المخدرات.

وتؤكد إنهم يعملون عبر 79 معالج نفسي يتوزعون على تسع ولايات وقالت إن جهودهم امتدت لتقديم الخدمة النفسية للاجئين في أدري التشادية مشيدة بالجهود الجبارة التي يقوم بها المعالجون في ظل الانعدام التام للإمكانيات.

إغلاق المستشفيات

وبينت إن أكبر التحديات في مجال العلاج النفسي تتمثل في أغلاق 12 مستشفى نفسي في الخرطوم ومدني وكسلا بسبب الحرب مثل مستشفيات طه بعشر، عبدالعال الإدريسي، التجاني الماحي بالخرطوم بجانب 6 مستشفيات خاصة ومركز قادرين في الخرطوم، فضلاً عن مستشفى علوب في مدني، مستشفى عافية بكسلا الذي تم إغلاقه بعد سيطرة الدعم السريع على مدني. وأوضحت إن إغلاق جميع المستشفيات النفسية يعيق تقديم العلاج وإجراء جلسات التقييم النفسي لأغراض قانونية للمتهمين بارتكاب الجرائم مما يعرقل سير العدالة.

شح الأدوية

ولفتت إلى أنهم يعملون في ظل ظروف قاهرة تتمثل في شح أدوية الأمراض النفسية وارتفاع أسعارها، وأكدت الحاجة الماسة لحقن التخدير الأساسية، حيث بلغت تكلفة الحقنة الشهرية لبعض الحالات أكثر من 90 الفاً، وسعر قنينتي الدواء للأطفال المصابين بالصرع 37 الفاً، منبهة لصعوبة الحصول عليها في ظل النزوح وفقدان مصادر الدخل وعدم توفر فرص العمل، مشيرة إلى الخسائر الكبيرة التي مني بها قطاع الأدوية جراء الحرب. ونوهت إلى وصول كميات من الأدوية مقدمة من منظمة قطر الخيرية إلى بورتسودان ولكن لم يتم الإفراج عنها وتوزيعها حتى الآن ولم يتم التعرف على كميات الأدوية النفسية.


معاناة متفاقمة

وقال إن الأثر النفسي يتعاظم لدى لضحايا الاغتصاب بسبب الوصمة والخوف من المجتمع ويمكن أن يصل الأمر بالناجية لدرجة الانتحار لعدم قبول الأسرة والمجتمع. وأكدت صعوبة رصد الأرقام في ظل فقدان النظام الصحي في أجزاء واسعة من البلاد.
كما أن المعاناة التي واجهها النازحون خلال رحلتهم إلى ولايات أكثر أمناً فاقمت من التأثير النفسي حيث توفي بعضهم خلال الرحلة النازحين من مدني، وأشارت إلى حالة لطفلة عثر عليها متوفية بعد يومين من وفاة عدد من أفراد أسرتها في حادث مروري أثناء رحلة النزوح، حيث لجأت للاختباء تحت إحدى المركبات من هول الصدمة وكان سبب الوفاة تصلب دماغي نتيجة الخوف. كما أن العنف الجنسي والاغتصاب يفاقم من المعاناة النفسية للناجية وذويها بسبب الوصمة والخوف من المجتمع ويمكن ان تلجأ الصحية للانتحار.

وقالت إن رصد المصابين بحالات الاضطراب النفسي بسبب الحرب يتم إمام من خلال التقصي في مراكز الإيواء أو من خلال التواصل مع المنظمة عبر برنامج تلفزيوني.

جهود العلاج النفسي

وقالت المستشارة لبني على إن فرق المعالجة النفسية التي تتبع لمنظمة قادرين أقدمت على معالجة الاضطرابات والصدمات النفسية وسط الأمهات والبنات والأطفال، ونبهت إلى أن هناك طرق متعددة العلاج، تتمثل في الجلسات الفردية أو العيادات الجماعية، وتكون عبارة عن علاج دوائي أو تعديل سلوك أو جلسات استرخاء. وأشارت إلى تدخلات كبيرة في 9 الولايات بينما اقتصرت التدخلات كبيرة في الجزيرة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة على منطقتي رفاعة والشرفة بركات. كما أن طرق العلاج تشمل العلاج باللعب بالنسبة للأطفال والعلاج بالعمل للشباب حيث تسعى المنظمة لتوفير فرص العمل.

ووصفت الآثار النفسية على النازحين جراء الحرب بأنها كبيرة جداً، مبينة إن الاضطرابات تبدأ في الشهر الأول للنزوح وتتمثل في الذعر والرعب والاكتئاب والشعور بعدم الأمان، وقالت إن معظم الحالات بدأت في التأقلم مع مرور أشهر على وجودها في مراكز الإيواء بولاية البحر الأحمر مع استمرار الشعور بعدم الأمان المخاوف من حدوث أمر جديد.

تأثير إغلاق المدارس

وقالت إن إغلاق المدارس والجامعات لفترة طويلة جراء الحرب يؤدي إلى آثار نفسية خطيرة وسط التلاميذ والطلاب، كما أن فتح المدارس في ظل الظروف الحالية خاصة في ظل عدم توفر مصادر الدخل للأسر وتكدس المنازل بالضيوف النازحين من الولايات المتأثرة بالحرب، سيزيد من تعقد الأوضاع ونوهت إلى أن الأسر لن تتمكن من توفير الزي المدرسي ومستلزمات التلاميذ كما أن تكدس المنازل لا يتيح البيئة المناسبة للتحصيل الأكاديمي.

مخاوف

وأعربت المستشارة لبنى علي عن مخاوفها من اتساع نطاق الآثار النفسية للحرب في حال تمدد الحرب إلى ولايات أخرى مشددة على ضرورة وقف الحرب. وقالت إنها استقبلت 75 مكالمة من ولاية النهر النيل خلال ساعات عقب قصف الطائرة المسيرة لعطبرة يوم الثلاثاء وسط حالة من الرعب والهلع وعدم الشعور بالأمان والخوف من المصير.

وقالت إن هنالك مرحلة أخرى للآثار النفسية لما بعد الحرب وذلك بعد العودة إلى المنازل والوقوف على حجم الخسائر وفقدان كل الممتلكات بجانب الأسر التي فقدت أفرادها خلال الحرب الدائرة، مؤكدة ضرورة تكاتف الجهود لاستيعاب الصدمة ومعالجة الأثر النفسي بعيد المدى.

وذكرت مجلة الصحة العقلية والنفسية الأميركية أن 22 في المئة من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الصراعات المسلحة يعانون من الاكتئاب والقلق و”اضطراب ما بعد الصدمة” و”الاضطراب ثنائي القطب” و”انفصام الشخصية”، وأن نحو 9 في المئة من سكان البلدان التي تشهد صراعات عنيفة يعانون من اضطرابات صحية عقلية ونفسية شديدة. كما خلصت دراسة أن الاكتئاب والقلق يزيدان مع تقدم العمر في البلدان التي تشهد صراعات، وأن هذه الأرقام أعلى بكثير منها في وقت السلم، إذ يعاني واحد من كل 14 شخصا تقريبا من أحد أشكال المرض العقلي أي ما يصل إلى نسبة 7.14 في المئة.

وقالت المستشارة لبنى إن عدم توفر الدعم الدولي مع توقف الإيرادات الحكومية التي تم تسخيرها بشكل كامل للمجهود الحربي ستزيد من تعقيد الأوضاع المعيشية للأسر، والتي قطعاً ستصاحبها آثار نفسية. مؤكدة إن المساعدات الإنسانية لا تغطي سوى 20 في المائة من الاحتياجات.