أيام الحرب .. مشهد من ودنوباوي – امدرمان القديمة

A large fire engulfed a plastic factory in Omdurman’s industrial area after clashes between the SAF and RSF (social media)

وسط اشتباكات متكررة ودوي الاسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة وأصوات الرصاص وازيز الطيران الحربي فوق رؤوسهم، ودانات تتساقط هنا وهناك، يقضي من تبقى من مواطني حي ودنوباوي أحد احياء امدرمان القديمة ايامهم . ويتعرض الحي هذه الأيام بعد إخلائه، لأعمال نهب للمنازل حيث أصبح مستباحاً من قبل الجميع. مواطنين من الحي أكدوا تعرض منازلهم من قبل أفراد يرتدون زي الجيش، وآخرون فتحت منازلهم من قبل أفراد الدعم السريع الذين يتجولون بين حين وآخر داخل الحي ويروعون من تبقى، وقد اتخذوا لأيام من منزل الرئيس الأسبق جعفر نميري مستقراً وغادروه بصحبة ما به من سيارات، فيما تلاحظ بدء إنتشار عصابات “النقرز” داخل الحي. (ط ع) أحد مواطني الحي الذين غادروا لسؤ الأحوال الامنية قال : ” حضرت للإطمئنان على الدار برفقة إثنين من الجيش .. علمت من شباب في المنزل أن أفرادا من الجيش قدموا للمنزل وقاموا بضربهم والاستيلاء على هواتفهم … ثم قدموا في اليوم التالي وأخذوا بعض المقتنيات . وتكرر الأمر في عدد من المنازل المجاورة “. الحي أصبح يحظر دخوله من قبل أرتكاز الجيش من الجهة الشمالية، حتى على أصحاب المنازل لما بات يحيق به من خطورة، ومع ذلك يتآذر الشبان في مجموعات للطواف على الحي يتفقدون المنازل بعد إذن الجيش أو تسللاً.

حي ودنوباوي الذي كان ملاذا للفارين من جحيم الحرب وغدر المسلحين، لم يعد على حاله بعد أن اصبح خاوياً من ساكنيه وصمتت مآذنه بعد ظهيرة يوم في الاسبوع الأول من اغسطس، يوم شهد اجتياح قوات الدعم السريع بعد معارك ضارية لأيام مع الجيش. تخللتها مآسي بفقد عدد من سكان الحي نتيجة سقوط دانات أو الرصاص الطائش والقنص. المواطنين اكدوا لراديو دبنقا اجبارهم من قبل الدعم السريع على إخلاء منازلهم عنوة بعد تعرضهم للضرب والسلب والنهب داخل المنازل .

(ج. م) قال : ” كان الكل في الحي مختبئاً داخل البيوت في أبعد زاوية احتماءً من الرصاص المتطاير في اشتباك شرس بين الطرفين… فوجئنا بانسحاب الجيش ودخول الدعم السريع الذي كان قد انسحب بعد انتشاره في الحي منذ يونيو … كانوا يصرخون ويهللون … ثم طلقات على أبواب مداخل المنازل ، دخلوا علينا بعدوانية شديدة حطموا كل شيء امامهم حتى الطعام سكبوه على الارض .. قالوا ( أنتم تساعدون وتخبئون الجيش، اخرجوا ما عندكم من نقود .. كيف لا تملكون المال وانتم تسكنون في عمارة ونحن نسكن في رواكيب .. اخرجوا الذهب) … بحثوا داخل كل شيء حتى الأواني، أخذوا الهواتف المحمولة وكل ما يروقهم أدخلوه في جيوبهم … ضربوني على رأسي بعقب البندقية عندما اخبرتهم بأن مفتاح أحدى الغرف المغلقة ليس معي .. سالت مني الدماء وأحدهم يقول ( رصصوه يخبي قناص في الغرفة) ولكن بحمد لله تلقى باب الغرفة وابل من الرصاص بدلا عني”. يواصل (ج) قصته : ” قبل خروجهم انذروني ( راجعين بكرة وما نلقاكم قعدين في البيت دا) … على عجل التقطنا بعض ما نستطيع حمله للمغادرة الى حيث لا ندري … وقبل الخروج قصفت طائرة الجيش منزلنا … فكنا محاصرين بالدعم السريع على الارض والجيش من السماء خرجنا ونحن نعلم أن اللصوص سيكملون ثالوث الظلم بفقداننا كل ما نملك”. 

في شوارع الحي كان الكل يركض للخروج شمالاً حاملين ما خف وزنه ، كبار السن يستندون على من يصغرونهم، فيما هم الشباب بحمل الأغراض. ذعر وقلق وحزن على فراق الديار يسيطر على المشهد، المنذر يحكي: ” داهموني في الطريق وانهالوا علي ضربا بالسياط و(الشاكوش) على ظهري وهم يرددون (اضربو)، اقتادوني للجزء الجنوبي للحي وامروني بفتح وتدوير سيارات مواطنين والا قتلوني .. ولكن حمد لله فروا هاربين عند سماعهم صوت الطيران الحربي”. تفرق سكان الحي في منطقة الثورات والحتانة وود البخيت … حيث فتحت البيوت أبوابها والمدارس كانت مأوى لعشرات الاسر من الفارين من ام درمان القديمة، في ملحمة إنسانية .  

السيدة (ا س) في بورتسودان قالت لدبنقا : ” اجبرنا على مغادرة الديار للمرة الثالثة منذ بداية الحرب … أولها من بحري بعد اقتحام الدعم السريع لبيتنا وقاموا بترويعنا وتهديدنا فغادرت وابني وشقيقتي راجلين حتى ودنوباوي .. ليداهمونا للمرة الثانية واجبرونا على المغادرة ففررنا مع الفارين من الحي راجلين حتى الثورة، وقررنا النزوح خارج الخرطوم لبورتسودان عند أحد الاقارب ” .

المتواجدون بالحي على قلتهم، باتوا يشكون من الأنقطاع المتكرر للكهرباء والمياه لأيام، ما فاقم أزمة بقاءهم غير الآمن. حيث اجبر تدهور الوضع الامني توقف ما درج عليه شباب الحي ضمن لجنة الخدمات والتغيير من ملاحقة إصلاح الأعطال وضمان استمرار الخدمة للحي بالتعاون مع متطوعين من هيئتي الكهرباء والمياه، بحوافز توفر من اشتراكات مواطني الحي الذين اثبتوا تآزرهم ايام الحرب وحتى في موقف الشتات ذاك.    

سكان الحي العريق مثل بقية أحياء امدرمان القديمة ستظل قلوبهم معلقة بديارهم التي لم يتوقعوا يوما أن يطالها غدر الزمان، واحاسيسهم تنبئ بأنها ستظل في وجدانهم مكانهم، وطنهم ومستقرهم، الذي سيعودون اليه وأن طال السفر.