محجوب محمد صالح: حتى لا نضع العربة أمام الحصان!!

بالأمس، وفي ورشة انعقدت بداره بأم درمان، فتح حزب الأمة ملف العلاقات بين دولة السودان ودولة جنوب السودان، ذلك لأن حزب الأمة…

محجوب محمد صالح

 

بالأمس، وفي ورشة انعقدت بداره بأم درمان، فتح حزب الأمة ملف العلاقات بين دولة السودان ودولة جنوب السودان، ذلك لأن حزب الأمة رأى أن تفاقم الأزمة في جنوب السودان بسبب الحرب الأهلية فيه والمجاعة التي أصابته -مما يوحي بفشل الدولة هناك- يفرض فتح ملفات الماضي والحاضر والمستقبل، وقد ابتدر الحزب هذه الورشة لكي يدير نقاشاً حول هذا الموضوع، بغية الوصول إلى تفاهم قومي على مستقبل العلاقة بين السودان وجنوب السودان.

حزب الأمة من جانبه طرح رؤية لعلاقة متميزة بين الدولتين المتجاورتين، معاهدة توأمة بين الدولتين، وأهم ما في تلك الرؤية -فيما يقترح الحزب- هو أن تلتزم الدولتان دستورياً بـ :-

  • الحرية الدينية.

  • التعددية الثقافية.

  • احترام حقوق الإنسان الواردة في المواثيق الدولية.

وأن نتفق في إطار «التوأمة الاقتصادية» بتأهيل وتطوير البنى التحتية المشتركة من سكك حديدية، ونقل بري وجوي ونهري، ووسائل الاتصال المختلفة، ووضع خطة مشتركة للتكامل الزراعي والصناعي والتجاري والتعديني، والاتفاق على حدود مرنة تسمح بالتواصل السكاني والتجاري والخدمي، وفوق هذا وذاك تلتزم الدولتان بسياسات حسن الجوار، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وعدم دعم العناصر المنشقة، والتنسيق الأمني، وإبرام اتفاق للدفاع المشترك في وجه العدوان الخارجي، وفي رأيي أن الوقت ما زال مبكراً للحديث عن اتفاق بين الدولتين، لأن الدولة في الجنوب تكاد تكون قد انهارت تحت ضغوط الأزمة الراهنة، والدولة في الشمال ما زالت تعاني من أزماتها العديدة، والتحديات التي تواجه السلام في أرضها، والتحول الديمقراطي الذي يرضي أهلها، لهذا السبب ربما لا يكون الوقت الحالي مناسباً للبحث حول مستقبل العلاقة بشكل مفصل، وربما كانت الأسبقية الآن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإعادة بناء السلطة في الدولة الوليدة بصورة تحترم التعددية الاثنية، وتحقق المشاركة الفاعلة لجميع الإثنيات على قدم المساواة، حتى يستقر نظام الحكم، حينذاك يمكن الحديث عن مستقبل مشترك بين البلدين.

لم يكن خافياً على القوى السياسية في الشمال -التي كانت أكثر إدراكاً لمخاطر الانقسام القبلي في الجنوب وإرث المعارك القبلية التي خلفت عداوات ورغبة متبادلة في الأخذ بالثأر من مختلف المجموعات العرقية هناك، كان تخشى أن يقود الانفصال وقيام دولة الجنوب المستقلة إلى إذكاء نار العداوات التاريخية القبلية، فتغرق الدولة الوليدة في نهر من الدماء، ولسوء الحظ فإن ما خشيناه قد حدث، وقد أصبحت الصراعات الدموية والقتل على الهوية، واستهداف قبائل بعينها، هو سيد الموقف في الجنوب، منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2013، وتبع ذلك انهيار الأمن والنظام، ودخل الجنوب مرحلة حرب الكل ضد الكل، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية، بعد أن نزح الملايين من ديارهم، دون أن يزرعوا محاصيلهم الغذائية، فكانت النتيجة مجاعة طاحنة تهدد حياة السكان، وتستدعي تدخلاً سريعاً، ويمكن للسودان أن يساعد في احتوائها، لكن جهوده وجهود المجتمع الدولي تصطدم بعقبة كأداء هي استمرار المعارك في المناطق المتضررة، وعدم الالتزام بوقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه مع منظمة الإيقاد، وعدم نشر قوة الحماية التي أجازها الاتحاد الإفريقي، بسبب تلكؤ حكومة الجنوب في تنفيذ التزامها بنشر القوة.

دون أن يتم الالتزام باتفاقية السلام، وتنفّذ بنودها، وتتوقف الحرب الأهلية، وتنساب الإغاثة للمتضررين، لا يمكن الحديث عن استقرار الجنوب، أو نجاعة الحكم، أما التصورات المستقبلية فلا بد أن ننتظر إلى أن تتكون في الجنوب حكومة كاملة الشرعية.

ليس هذا تقليلاً من أهمية مقترح حزب الأمة، لكنه محاولة لإعادة ترتيب الأولويات، حتى لا نضع العربة أمام الحصان!!;

العرب